الخميس، 1 مارس 2018

قدر ولطف - Fatma Yaakob

قدر ولطف 
سار الاتوبيس فى طريقه الى ضاحية المعادى عن طريق كورنيش النيل ، حتي وصل الي منتصف الطريق ، حين مال رجل مسن من الركاب على السائق يهمس فى اذنه بعض كلمات لم يتبينها احد ممن يقفون حولهما ...توقف السائق على اثرها على جانب الطريق ...تسائل الجميع : ماذا حدث ؟ !!
: لماذا توقف الاتوبيس ؟ ...لم تكن احدى المحطات المنتشرة على طول الطريق والتى يمكن ان يقف عليها لتحميل ركاب جدد!!.. ولم يكن هناك ما يعترض طريقه حتى يقف فى مثل هذا المكان الخالى من المساكن!!... كان الزحام شديد داخل الاتوبيس والحر أشد ...هكذا كان الحال وقت الظهيرة فى القاهرة منتصف اغسطس ...والجميع فى عجلة من أمرهم ... وفي منتصف السيارة كانا... فتاة شابة في مقتبل العمر وبجانبها شابا...يقفان في تقارب أزعج الرجل الجالس بالقرب منهما، وهما يتبادلان النظرات الولهي ، كانا لا يشعران بما يحدث حولهما ، يقف الاوتوبس او يسير لا يهم ، المهم انهما معاً ، كأن لسان حالهما يقول ليت الطريق لا ينتهي ، اخذ الرجل يتفحص فيهما ، لاحظ دبلتين في أصبعيهما ، اه مرتبطان ، مازالا في مرحلة ألاوعي ، سكرةٌ يفيقان بعدها ويعرفان الي اي مدي اخطأَ ، هكذا حدث نفسه وهو يدير راسه الي ناحية النافذة ، متشاغلا عنهما بالنظر الي خارج العربة وهو يبتسم في شماتة ، الكل يحلم با لعودة الى البيت بعد عناء يوم عمل في هذا الجو الخانق ،اما هو فكان يتمني ان يظل الطريق مزدحم الي اخر الليل حتي لا يصل الي بيته ويجد قائمة الطلبات التي تعدها زوجته له كل يوم ، لا يهمها اول الشهر او اخره المهم لديها هي ان تحصل علي طلبات البيت والاولاد ... أفسح العجوز لنفسه طريقا حتي هبط من الاتوبيس وهو يلهث بالدعاء للسائق بالستر ، خطوات قليلة ثم إختفي بعدها خلف شجيرات نبات الغاب المنتشرة علي شاطئ النيل ، مرت لحظات و الاتوبيس مازالت تقف لم يتحرك ليستأنف سيره كما توقع الجميع ، أخذوا في الصياح متسائلين، تطوع البعض بالأجابة لتفسير ماحدث :ربما عطل في السيارة .
: الصبر الصبر هى الدنيا طارت ان الله مع الصابرين .
هكذاصاح السائق بعد ان إزدادت همهمت الركاب وتزمرهم ... في تلك اللحظات التي وقف فيها الاتوبيس اندس هو وسط زحام الركاب .. عيناه تدور هنا وهناك في حنكة يبحث عن صيد ثمين يختم به جولته الصباحية ، الغلة اليوم قليلة ، آخر الشهر ، والناس جيوبهم خالية ولكن المعلم لن يرحمه، لن يقنع بهذه الاسباب وهو لابد ان يتصرف ... لمحها تقف في منتصف السيارة ، تقبض بيدها علي مسند الكرسي لتحفظ توازنها ، بريق السوار الذي يلف معصمها ، خطف بصره إندفع بين الزحام والاجساد المتلاصقة في صعوبة حتي وصل الي حيث تقف ، التصق بها بهدوء ، نظرت اليه ، ابتعد قليلا حتي لا تشك في نواياه ثم عاد ليلتصق مرة اخري ليوهمها بان غرضه التحرش وليس شئ آخر ، تململت المرأة مبتعده ، مرت لحظات ظهر بعدها العجوز ، يهرول ناحية الاتوبيس وهو يلملم أطراف جلبابه ليربط سروال ، علم الجميع في تلك اللحظة سبب وقوف الاتوبيس ، علق أحدهم 
قائلا : هى حَبَكَتْ ...قهقه بعض الواقفين حوله ضاحكين 
صاح آخر: ربما يكون الرجل مريض ربنا يكفيك شر المرض.
تبادل الجميع الحكايات التي تناسب الحدث ،بعد ان إستراحت أعصابهم، آملين أن يستأنف الاتوبيس سيره ، صعد العجوز الي العربة بمساعدة بعض الركاب ، إنتظر الجميع إستئناف العربة لسيرها ، مرت لحظات ولم تتحرك السيارة ، كان هو مازال يداعب ناظريه بريق السوار ، يغريه على انجاز مهمته فى أسرع وقت ، وحين طال الوقوف ، صاح الركاب ماذا حدث ثانيا ؟ أين السائق ؟ علق احدهم في سخرية : يمكن نزل هو الاخر يفك حصره. ...تضاحك الكل من حوله.

إشرأبت الأعناق ، تنظر ناحية المقدمة حيث مكان القيادة ، هناك بعض الاضطراب بين الجمع الواقف هناك ...ماذا يحدث ؟!.. كان هو يقف متحينا تلك الفرصة الفريدة ، انها متاحة له الان ، لابد ان يتم مهمته بسرعة ، مال بجسده وكأنه يستطلع ما يجري هناك ، و في سرعة و براعة لص محترف ،اصبح السوار بين أصابعه في لحظات، تحرك بعدها صوب باب السيارة وهويصيح: يظهر اننا لن نصل ابدا في هذا اليوم الاغبر، وسع يا عم خليني انزل.
هبط من السيارة بسرعة ، ليهرب قبل أن تكتشف المرأة ضياع سوارها
: ماء.. ماء نريد بعض الماء ،....هكذا صاح أحد الواقفين في المقدمة ...الرجل غائب عن الوعي ....كلونيا كلونيا يا جماعة اي حاجة .....تلفت الجميع حولهم .. أخرجت المرأة زجاجة عطر من حقيبة يدها، تلقفتها الايدي بسرعة ،حتى وصلت الى المقدمة ، قربها أحدهم من أنف السائق ... انتظروا ان يفيق ...لا فائدة ، ، أَمَالَ الرجل زجاجة العطر مرة اخري، حتي سالت على وجه السائق ، لا فائدة إنتظروا عليه قليلا ، ضربه أحدهم علي وجهه املا ان يفيق ، صاح أحدهم : الحر خانق الله يكون في عونه.
إقترح كل منهم وسيلة لافاقته ...زفر الدكتور في ضيق .. أف ..هاهي عطلة أخري .. ماذا أفعل؟ لن اجد تاكسي في هذا الطريق الخالي ، اعوذ بالله ما هذا النحس الذي يلازمني ، سأتأخرعن موعدي مع صاحب العيادة ، تململ في جلسته ، كان خائفا أن يسبقه مدحت زميله في المستشفي الي هناك ، لقد قرأ الاعلان سويا صباح اليوم عن عيادة يطلب صاحبها تأجيرها او بيعها لدواعي السفر تظاهر بعدم الاكتراث حتي لا يلفت نظر زميله الي رغبته في تاجيرها.. سوف ينزل ويتصرف حتي لو اوقف اية سيارة وركبها ... المهم ان يصل ..فرغ صبره ..نهض من مكانه متأففا .. اسرعت المرأة الواقفة بجانبه ترتمي علي المقعد الخالي في فرح قبل ان يسبقها اليه احد ، اخيرا تحقق املها في الحصول علي كرسي تجلس عليه ، بعد ان فقدت الامل في ان يتنازل احدهم لها عن كرسيه بشهامة عندما يلاحظ تألمها من الوقوف ، شق الدكتور لنفسه طريقا وسط الركاب بصعوبة ، وحين وصل الي مكان التجمع في المقدمة ، ..شعر بقلق الناس .. ماذاحدث ؟ تسائل وهو يزج بنفسه وسط الملتفين حول السائق .. الملقي علي وجهه علي عجلة القيادة بدون حراك .... طلب من الجميع التراجع حتي يستطيع الكشف عليه .
:انت طبيب ؟ ....سأله احدهم .
: نعم انا طبيب
: اكشف عليه يا دكتور و طمنا .
ترجع الجميع .. امسك هو بيد السائق يستطلع نبضه ...ترك يده ورفع رأسه الي الخلف ليستقيم جسمه ....وضع اذنه علي صدره قليلا ثم إعتدل ... بدأ كل ن حولهما يفسر ما حدث :تجده لم ياكل شيئا طول اليوم.
: ربما يكون ضغط الدم لم يسلم منه احد هذه الايام.
: يمكن غيبوبة سكر؟.
صرخ فيه :اصمتوا حتي أستطيع الكشف عليه.
كتم الجميع الانفاس ...انتظروا نتيجة الفحص ... رفع الطبيب راسه ثم وقف معتدلا وقد تراخت يداه الي جانبه... ناظرا اليهم ...بادله الجميع النظرات في خوف ، وتوجس ...ماذا حدث ؟....ماذا وجدت ؟.... قال الطبيب وهو يغادر السيارة : احمدوا ربنا ان الاتوبيس كان واقف .
نظر الجميع اليه في دهشة والسؤال يتردد في عقولهم .. لماذا؟... جاءتهم الاجابة : السائق مات!!!!! تمتم العجوز: لا حول ولا قوة الا بالله...

. سبحان الله .

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام