كانت بائعة حب . تجد ضالتها في المراهقين والكبار ..
سكنت دارآ قريبة من أحد المقامات الشهيرة لأحد الأولياء في القاهرة .
تبدأ يومها في الليل بعد العشاء , تخرج بعد أن تطلي وجهها بعديد الأصباغ والعطور الشعبية . ثم ترتدي عباءة سوداء طويلة محتشمة تخفي تحتها عريآ لامرأة أربعينية في طريقها ألي الخمسين .
بعد ساعة , يقوم رفيق الليلة , ويلقي في حجرها خمسين جنيهآ .
ليس لها من الجيران أو الأقارب من لم يزر هذا الدار , ألا أن شيئآ خفيآ يمنعها من أصطحاب الغرباء للدار .
ذات ليلة , وجدت في أحد الملقيين بجانب المقام لقمة عيشآ جديدة .
لم تعجب لعباءته البيضاء الواسعة , ولا لوجهه الرقيق الذي تخفي نصفه لحية بيضاء كالقطن .
قالت في سخرية لنفسها :
ـ هؤلاء يكون بداخلهم ما ليس بداخل سواهم .
ثم بنبرة تذكر قالت :
ـ وماله . أولم يكن زوج أمي مثلهم ؟!
نظر أليها نظرة خبيرة , ثم أبتسم لما أقتربت منه .
رائحتها النفاذة لم تترك اثرآ علي أعصابه , ولا ملامحها الملونة .
ولما رأت هذا منه , غاظها , فقررت زيادة الأغراء . همست في أذنه بكلمات كادت أن تقتل يومآ أحد المراهقين من الرغبة . فما رأت ألا الأبتسامة تتسع , وتحال ألي ضحكة هادئة .
صاح أحد الأصحاب به وهو يرتدي حذائه أمام العتبة :
ـ لا تنسي يا شيخ محمود موعدنا بكرة إن شاء الله .
رد علي الفور :
ـ ومن ينسي يا شيخ سيد ؟! , إن شاء الله سنكون أول الحاضرين كما العادة .
جرها من يدها يتواريان عن الأنظار . قال في هدوء :
ـ أتاجك في الغد .
لمعت ابتسامة ظفر علي شفتيها المطليتين بروج بنفسجي .
ـ غدآ قرب المغرب
في سرعة سألت :
ـ أين ؟!
ـ هنا . ستأتين ثم اصطحبك .
ثم بلهجة فيها صرامة قال :
ـ ولكن حذار . لا أريدك في الغد بهذا الدهان , تتطهري كاملة .
ضحكت . بدا أن الرجل مجربآ , ملعون صنف الرجال جميعهم .
تسائلت في حدة , كأنما ضايقها أن يعلق الرجل علي مظهرها :
ـ أولا يحدث الأمر الليلة أفضل ؟! يمكنني أن أزيل كل هذه الزينة ..
قاطعها في هدوء :
ـ قلت لك الغد .
وضع في يدها عشرون جنيهآ , كأنما يزيد من ثقتها في جدية الأمر . ومضي بعد أن شيعها بأبتسامة أصابت قلبها بالأرتياح .
رجعت الي البيت . وأغتسلت من فورها بالماء الملتهب . ثم خرجت الي غرفتها ملقية بنفسها علي الفراش
لفها الصمت والظلام .
في الخارج أولاد يلعبون . لماذا لم يكن لها ابنآ مثلهم ؟!
تنادي عليه كما تنادي أم علي علي ابنها الآن . وتوبخه كما تفعل المرأة أذا طال غيابه ولعبه . يحضر لها الأرغفة في الصباح . واللبن في المساء .
بدأت الذكريات بزوج الأم , وتحرشاته المعتادة التي كانت تتجاهلها حماية للبيت .
وأمها التي تختفي تمامآ أذا أجتمع الثلاثة في الشقة . كأنها تفسح المجال لزوجها كي يزيد من أظهار رجولته علي من في الدار .
قالت ذات يومآ محتجة :
ـ لقد بلغ السيل الزبي . يوشك الرجل أن أتيني جهارآ !
أشاحت المرأة العجوزة وقتها بوجهها , ثم ألقت الأطباق علي الأرض في حدة وقالت :
ـ من لا يعجبه الوضع , فعليه بالرحيل .
فرحلت .
والطريق قاس . لا يمكن لامرأة أن تشقه فقط بالنوايا الطيبة أو بالفطرة السليمة .
لابد من تنازلات تهيأ لها من الأمان فيه قليلآ .
وبدأ التنازل مع صاحب البيت الذي أعطاها دوره الأرضي . ومع الفران الذي يوصل العيش مع صبيه كل نهار . ومع البقال الذي لا يجرؤ أن يطالبها بالحساب ألا حين يأتيها المزاج .
ثم ..
ثم نامت في أجهاد .
وفي عصر اليوم التالي أستيقظت . تناولت شيئآ قليلآ , ثم همت أن تضع ما أعتادت وضعه علي الوجه والجسد المتفجر . ألا أنها تذكرت طلب الرجل منها .
غريب هذا الرجل ؟!
لوهلة لم ترتح لنظراته , ظنته صعبآ . فأذا به يقع من أول مرة . ملعون من تثق بصنف الرجال أو تمنحهن الأمان . طوال الطريق ألي المقام تفكر به .
حتي أصطدمت به .
واقفآ فاردآ ملامحه بأبتسامة جذابة .
لاحظت أن الساحة آخذة في الأزدحام . تسائلت في عصبية :
ـ اين ؟!
في بساطة رد :
ـ هنا .
ـ !!!!
ـ تعالي . أولآ هذه لك .
ووضع في كفها خمسين جنيهآ .
ـ وثانيآ . أنتي متطهرة ولا شك ؟!
هزت رأسها في خجل . خجل لأول مرة ردها ألي عمر العاشرة .
أشار بيديه ألي أحد الأبواب للمقام , وقال :
ـ من هنا ستدخلين .. ستجدين من النساء كثيرات , رددي ما يقلن . وأفعلي ما يفعلن . ثم قابليني بعد أنتهاء الليلة .
صاحت في أحتجاج :
ـ ليس من أجل هذا أتيت . لا تضللني !
ضحك في رقة . وأنصرف عنها .
ألي الباب أتجهت . ثم دخلت بأستقبال جيد من أحدي النساء . التي قالت مرحبة :
ـ أهلآ بك زدتنا نورآ .
نظرت ألي الرجل الوقور وهو يشرف علي فرش الحصائر وأعداد المنصة .
سألت المرأة الطيبة :
ـ ربما رأيتك من قبل ولكن لم أتشرف بالمعرفة ؟
ردت بشفتين مختلجتين :
ـ لا . هذه أول مرة . اسمي سيدة .
تلاوة جميلة عبر الميكروفون الكبير هزت الساحة والمسجد .
قالت المرأة الطيبة في فرح :
ـ الله ينور عليك يا شيخ محمود
ألتفتت لها في قوة وسألتها :
ـ أتعرفينه ؟!
أتسعت أبتسامة المرأة أكثر , ثم قالت في طيبة :
ـ بالطبع . إنه زوجي ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق