الاثنين، 26 فبراير 2018

قراءة في قصة " الضياع " للكاتب المغربي/ أحمد عزيز احن - بقلم جمال الدين خنفري/ الجزائر


ــ تصدير:
إن ما يكتبه ( القاص/ أحمد عزيز احن ) لا يعد لغوا، إنما هو التميز في الطرح بملامس فنية ذات إبداع راق.
جمال الدين خنفري
ــ العنونة:
الضياع عنوان مستفز و مثير وقد وفق الكاتب في اختياره لقصته.
ــ تعريف:
الضياع: اسم، مصدر ضاع
وجد نفسه في ضياع: في تلف و لهو و إهمال
في ( علوم النفس ) حالة نفسية من مظاهرها الحيرة و غياب الهدف و التشتت الفكري و الشعور بالوحدة و بالحرمان من العون و الهداية: ــ شعر بالضياع بعد وفاة والده.
ضائعون و ضُّيَّع و ضِياع: جمع ضائع
ضائع: اسم فاعل
ضائع: مهمل
ــ إضاءة:
و من تعريف معنى لكلمة الضياع التي هي عتبة الإطار السردي للنص نجدها معبرة بكفاءة عن متوالية الأحداث في فعل تصاعدي درامي ضمن عناصر بنائية محورية تكمن في خاصية تشريح واقع معيشي مر بلغة مأساوية عاكسة للحرمان العاطفي و الاجتماعي لشخصية بطل النسيج القصصي. الذي طبعت الشقاوة تصرفاته نتاج شعوره بفقدان الأب في حياته ، في حركات استفزازية، تحققت في إطار صورة كاريكاتورية برزت في مشاهد المشاغبة و المواربة و المجون.
ــ الحضور و الغياب
فالحضور والغياب ثنائية ضدية، و الغياب نسخ ونفي للحضور، وحضور الأول يستلزم غياب الثاني، فالحضور يعتبره النقاد تشكيلا، والغياب دلالة.
و لهذا ينبغي الانطلاق من دلالة الغياب في النص ليتجلى معنى الحضور أو تتجلى معانيه في أكمل الصور الممكنة.
قصة الضياع تفتح لنا نافذة على عالم الطفولة و واقع معاناتها، وترصد جل معاني ثنائية الغياب والحضور، الغياب يتجسد في الغياب المعنوي غياب البراءة، الفضيلة، السعادة، التآلف، النعومة، ، العطف، الرعاية، بالإضافة إلى الغياب الحسي غياب الأب، هذا الأب الذي له الدور الرئيس في تكوين شخصية الابن المستقلة، لذا من الضروري أن يكون الأب حاضرًا في كل لحظة استثنائية في حياة ابنه كي يرافق نموّه ويراقب تطوّره. و دوره مختلف عن دور الأم، فالأم توفر الطمأنينة والحنان، أما الأب فيثير الإدراك والوعي. و يثير ملكة التيقظ عند الطفل منذ نعومة أظافره.
ــ الجوهر:
جوهر القصة أن الطفل فتح عينيه على ثنائية الرجل و المرأة عبر نزوة عابرة في علاقة غير شرعية شهدت قبر الأحلام و اغتيال الأماني العذبة في تحول الرجل إلى الهروب و الخفاء بما يحمله من وزره إلى أقاصي الأرض، أقاصي الأنا، و امتدادا لهذا التحول كان الحضور، حضور المرأة القوي في غير موطنها ارتأت فيه ملجأ للستر على الفضيحة، تكابد الاشتياق و الاحتراق و الكآبة و التعاسة و تسعى جهدها في رعاية و تعهد طفلها الذي تشكل من ثمرة الخطيئة هذا الطفل الذي غابت عنه ملامح وجه أبيه لعدة سنوات مما كان له أثر سلبي في التعامل السوي و الطبيعي مع واقع محيطه وعالمه الرحب، و هنا تركز السؤال عن ذات الأب في السرد حيث جاء الجواب بشكل مفاجئ غير متوقع، يحمله الطفل في ب


هجة وسرور.

ــ الأسلوب:
القصة في ذروة الإمتاع و المؤانسة كتبت بقلم سلس واضح المعالم دون غموض أو تكلف حيث يجد القارئ نفسه يواصل القراءة بتفاعل مع كل حركة و كل همسة، فالقصة شكلت لنا لوحة فنية ذات أبعاد واقعية متعددة المشاهد بصور متحركة.
ــ المقصد:
النص بيان أن حضور الوالدين في حياة الأبناء يحقق التوازن النفسي بخلاف الغياب الذي يدفعهم إلى التمرد و الانحراف و السخط على المجتمع.
جمال الدين خنفري/ الجزائر
***********************
قصة قصيرة الضياع. بقلم أحمد عزيز احن
يتأخر كثيرا وأحيانا يتغيب ثم يحضر وقدلفّ رجليه بخرقة بالية متصنعا العرج والالم واثور في وجهه وقبل أن أزجره ،بخفة يسحب من محفظته بيضا ويفتر غضبي(انهم لا يربون الدجاج انه يسرق البيض )يردد التلاميذ وسط زوبعة من الصخب الطفولي،
ويطأطيء رأسه يزم شفتيه وتتقلص عضلات وجهه كأنه على وشك البكاء لكنه لا يفعل..تدور عيناه كفأر مرعوب..ويتطوع اكثر من تلميذ للشهادة أنهم رأوه يطوف بدراجته وأنه شوهد ينصب الفخاخ للحمام قرب الغدير، ويقسم انه مريض وجرحه ينزف وأن التلاميذ يفترون عليه لأنه يمنعهم من ركوب دراجته وأفك الضمادة عن رجله وهو يتأوه ولا أَجِد إلا ندوبا قديمة ً،ويدّعي ان جرحه برأ واندمل ويتوسل بعيون دامعة ويعدني انه لن يتغيب وأخلي سبيله وهو يمرق بين الصفوف فيغمزبعينه فينفجر الفصل ضاحكا.
يتسلق الشجرة اليتيمة في وسط المدرسة مثل ثعبان يقطف ثمارها الغير الناضجة ويقذف بها التلميذات وهو يقلد ثغاء الغنم و مواء االقطط ،ويختلس أدوات زملائه وأضبطه متلبسا ويدفع التهمة أنه مظلوم، وكانت أمه تأتي صباحا وهو يمسك بتلابيب جِلْبابها مثل حمل وديع لكن ملامح وجهه المراوغة تفضحه وتشتكي ان التلاميذ يضربون ابنها تبكي وأنها غريبة والكل يكرهه ولو كان ابوه موجودا ما تجرأ عليه أحد.
طباخة المدرسة أكدت لي ان ليس له الا هذه الام المعلولة سكن مرض الربو صدرها..جاءت به حاملا ،أواهاأهل الدوار عندما وضعت المحجوب بقيت هناك لا يعرف له أب ..هناك من قال انها خافت الفضيحة ومن قال انه سجين في بلاد بعيدة ومن يقول انه هاجر إلى بلاد وراء البحركلام الناس كثير والعلم لله.
كان المحجوب ضئيل الحجم قليل الطول بملابس أكبر منه يدس رأسه في قبعة كالحة اللون..لكن ماكان يستوقفني دائما عيناه المخادعات ،كنت أتعمد أن أنفرد به و
أسأله دوما، لماذا انت مشاغب يبتسم بمكر وينأى عني يرفع رجليه إلى أعلى ويدبّ على يديه مثل عقرب وكان التلاميذ يقلدونه فلا يستطيعون.
لكن وأنا أسأله أين أبوك ؟انطلق السّؤال مثل العيارأصابه في مقتل خرجت الكلمات من فمه بطيئة ومتكسرة اب ..اب ..ي ...!انتفض وسهمت نظراته..كان عاجزاعن فعل اَي شيءكما لو فقد الاحساس عمن حوله.
جاء ذاك الْيَوْمَ باكرا بدون محفظته لايبدو عليه اثر الشقاوة ،تطفو على وجهه ابتسامة عريضة وعيناه تضحكان، لم يكن وحيداكان يمسك برجل حتى كاد يحضنه هذاأبي ..أبي.. ظللت شاردا أرنو اليه..لكن صوته عاد يشرخ ذاكرتي، هذا أبي إنه أبي..يقينا أحسست ان المحجوب الصغير تبدل كثيرا وأنه لن يعود ربما وجد الشيء الذي كان ضائعا منه.



ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام