الإقتصادُ يتحدِّثُ بآثاره
(قصة للفتيان)
(تأليف عزت عبد العزيز حجازي)
أنا الإقتصاد مفتاح السعادة ، ومِعراج
السيادة وينبوع اليسر والرخاء ومبعث الرفاهية والهناء ، يتمسك الغنى بأهدابى
فأَرْتَبى (1) ماله ، وأنمى ثروته ، وأصون جاهه وكرامته ، وأقيه شر المتربة (2)
وسوء المصير . ويلزم الفقير بابى فأنهضه من عثرته، وأريش (3) جناحه ، وأسنى نجاحه
(4) وأكفل له عيشا رغيداً ، ومستقبلاً سعيداً ، أنا وسط بين رذيلتين ( وخير الأمور
الوسط ) : بخل يغرى الإنسان بجمع المال ، من حرام وحلال ، فيعيش خازناً لغيره ،
محروماً من خيره ، وقد يرثه أعدى أعدائه ، فلا هو أفاد (5) منه فى دنياه ، ولا
قدّّم لأخراه ، ولم يكسب إلا عيش الشَّظف (6) والخشونة ونقمة الناس عليه، وبغضهم
له ، ثم رحل مُزَوَّدَاً بالضَّعة والمهانة ، مشيّعاً بالسخط والشماتة . وإسراف
وتبذير ، يفضى بصاحبه إلى البوار ، وخراب الديار ، فيحيا حياة مرة كريهة ، مضطرب
الأحوال ، جَمّ الأوجاع والأوحال ، ثم تكون قُصارى أمره ، أن يتمرَّغ فى حمأة
الفقر المُدقع (7) ويتقلب فى أحضان الذلة والصَّغار ، وذلك جزاء المبذَّرين إخوان
الشياطين ، لا ترانى إلا حيث ترى العيشة الراضية ، والسعادة الغضة ، والخفض (8)
الوارف ، والعز السابغ ، والنعيم المقيم ، والنفوس المطمئنة ، والوجوه المستبشرة ،
والآمال المرجوة ، والأمانى المثمرة ، فإذا فُقِدَت فهناك الطامة الكبرى ، : معيشة
ضُنْك (9) ، وعسْر مستحكم ، وبؤس شامل ، وشغل شاغل ، وهَمّ ناضب (10) ، وشرف ذاهب
، وحال : - ُصِم َّ السمع وتُعمى البصير
ويُسأل من مثلها العافية . وحسبى شرفاً وسؤدَدا ، أن الشرائع المنزلة ،
والقوانين الوضعية ، والعقول السليمة ، أوسعتنى مدحاً وثناء ، وحثّت على سلوك
محَجَّتى ، والإستمساك بعُرْوتى . وجعلتنى قِوام الأخلاق ، ونظام الأرزاق .
وأطرانى الرسل ×والأنبياء ، والحكماء والشعراء ، من لدن أدم إلى اليوم ،
وعدّونى نصف المعيشة، والمعقل المنيع ، الذى لا ترقى×إليه الفاقة ، ولا تحوم حوله الضائقة . لولاى ما نهضت
الممالك ، ولا إرتقت الشعوب ، ولا قطعت المدنية ذلكالشوط البعيد ، فى التقدم الحسى
والمعنوى ، فما تراه من مظاهر العمران والحضارة ، فى المدائن والقرى ، والماء والهواء ، فهم من آثار الغنى والثروة ، وأنا
عمادها القوىّ ، وركنها الشديد . أنا جماع الفضائل ، وقطب دائرة الأخلاق ، أعوّد النفوس العفية والقناعة ،
وأكبح (11) جماح شهواتها وأُقلِّم أظافر نزعاتها ، وأروضها (12) ×على الإستقامة والإعتدال ، والصبر الجميل ، وأغرس فيها
قوة الإرادة وبعد الهمة ، ومضاء العزيمة . ومتانة الأخلاق . أنا عدو الفاقة الألد
(13) وخصم الفقر العنيد ، وكاشف المتربة والعسر ، وجالب الخفض واليسر ،،× وآخذ له أمانا من الدهر القُلَّب (14) بحروف ذهبية ،
أنه سعيد الجّدَّ، ميمون الطالع ، مسموع الكلمة دون منازع ، وأملؤه عزة وإباء،
فيكون سامى الطَّرْف (15) أشم الأنف، ثبت الجنان ، فصيحا لدى المقال ، جريئا ×عند النزال . وأحفظ له ذريته بعد وفاته ، فلا يلحقهم شر
، ولا يصيبهم ضرّ ، ولا ×يكونون عالة يتكففون (16) الناس ، فيموت قرير العين،
مثلوج الفؤاد بيته معمور ، وذكره مأثور ، وعرضه موفور (17) وكأيِّن من أناس
إصطفَوْنى رفيقا ، واتخذونى صديقا ، فطفقت أمد لهم فى أسباب الواسع ، والجاه
العريض ، وأمهد لهم وسائل التقدم والرفعة ، وأفتح لهم بقوة المال المُدَّخَر ، الأبواب
الموصدة ، وأخفت برنين الذهب أصوات منافسيهم ، وأنير لهم ببريق النُّضَار (18) ،
طرق الإنتصار ، . فما هى إلا أيام قلائل حتى نبه ذكرهم ، وكان خاملا ، وعلا قدرهم
، وكان وضيعا ، وأصبحوا بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكورا، ملء البصائر والأبصار ، بل
علَما (19) فى رأسه نار ,.
(1) أرتبيت الشىء : زدته (2) المتربة : الفاقة
(3)
راشه : أصلح حاله (4) أسنى : أسهل
(5)
أفاد : إستفاد (6) الشظف : الضيق والشدة
(7)
المدقع : الملصق بالتراب (8) الخفص :
الدعة
(9)
الضنك : الضيق فى كل شىء (10) ناصب : متعب
(11) كبحه : شده باللجام (12) راضه : ذلله
(13) الألد : الشديد الخصومة (14) القلب : المحتال
(15)
الطرف : العين (16) يتكففون : يمدون
أيديهم بالسؤال
(17)
موفور : تام (18) النضار : الذهب
(19)
العلم : الجبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق