السبت، 15 أبريل 2017

الإقتصادُ يتحدِّثُ بآثاره (قصة للفتيان) (تأليف عزت عبد العزيز حجازي)




الإقتصادُ يتحدِّثُ بآثاره
(قصة للفتيان)
(تأليف عزت عبد العزيز حجازي)

     أنا الإقتصاد مفتاح السعادة ، ومِعراج السيادة وينبوع اليسر والرخاء ومبعث الرفاهية والهناء ، يتمسك الغنى بأهدابى فأَرْتَبى (1) ماله ، وأنمى ثروته ، وأصون جاهه وكرامته ، وأقيه شر المتربة (2) وسوء المصير . ويلزم الفقير بابى فأنهضه من عثرته، وأريش (3) جناحه ، وأسنى نجاحه (4) وأكفل له عيشا رغيداً ، ومستقبلاً سعيداً ، أنا وسط بين رذيلتين ( وخير الأمور الوسط ) : بخل يغرى الإنسان بجمع المال ، من حرام وحلال ، فيعيش خازناً لغيره ، محروماً من خيره ، وقد يرثه أعدى أعدائه ، فلا هو أفاد (5) منه فى دنياه ، ولا قدّّم لأخراه ، ولم يكسب إلا عيش الشَّظف (6) والخشونة ونقمة الناس عليه، وبغضهم له ، ثم رحل مُزَوَّدَاً بالضَّعة والمهانة ، مشيّعاً بالسخط والشماتة . وإسراف وتبذير ، يفضى بصاحبه إلى البوار ، وخراب الديار ، فيحيا حياة مرة كريهة ، مضطرب الأحوال ، جَمّ الأوجاع والأوحال ، ثم تكون قُصارى أمره ، أن يتمرَّغ فى حمأة الفقر المُدقع (7) ويتقلب فى أحضان الذلة والصَّغار ، وذلك جزاء المبذَّرين إخوان الشياطين ، لا ترانى إلا حيث ترى العيشة الراضية ، والسعادة الغضة ، والخفض (8) الوارف ، والعز السابغ ، والنعيم المقيم ، والنفوس المطمئنة ، والوجوه المستبشرة ، والآمال المرجوة ، والأمانى المثمرة ، فإذا فُقِدَت فهناك الطامة الكبرى ، : معيشة ضُنْك (9) ، وعسْر مستحكم ، وبؤس شامل ، وشغل شاغل ، وهَمّ ناضب (10) ، وشرف ذاهب ، وحال : - ُصِم َّ السمع وتُعمى البصير     ويُسأل من مثلها العافية . وحسبى شرفاً وسؤدَدا ، أن الشرائع المنزلة ، والقوانين الوضعية ، والعقول السليمة ، أوسعتنى مدحاً وثناء ، وحثّت على سلوك محَجَّتى ، والإستمساك بعُرْوتى . وجعلتنى قِوام الأخلاق ، ونظام الأرزاق . وأطرانى الرسل ×والأنبياء ، والحكماء والشعراء ، من لدن أدم إلى اليوم ، وعدّونى نصف المعيشة، والمعقل المنيع ، الذى لا ترقى×إليه الفاقة ، ولا تحوم حوله الضائقة . لولاى ما نهضت الممالك ، ولا إرتقت الشعوب ، ولا قطعت المدنية ذلكالشوط البعيد ، فى التقدم الحسى والمعنوى ، فما تراه من مظاهر العمران والحضارة ، فى المدائن والقرى ، والماء   والهواء ، فهم من آثار الغنى والثروة ، وأنا عمادها القوىّ ، وركنها الشديد . أنا جماع الفضائل ، وقطب دائرة  الأخلاق ، أعوّد النفوس العفية والقناعة ، وأكبح (11) جماح شهواتها وأُقلِّم أظافر نزعاتها ، وأروضها (12) ×على الإستقامة والإعتدال ، والصبر الجميل ، وأغرس فيها قوة الإرادة وبعد الهمة ، ومضاء العزيمة . ومتانة الأخلاق . أنا عدو الفاقة الألد (13) وخصم الفقر العنيد ، وكاشف المتربة والعسر ، وجالب الخفض واليسر ،،× وآخذ له أمانا من الدهر القُلَّب (14) بحروف ذهبية ، أنه سعيد الجّدَّ، ميمون الطالع ، مسموع الكلمة دون منازع ، وأملؤه عزة وإباء، فيكون سامى الطَّرْف (15) أشم الأنف، ثبت الجنان ، فصيحا لدى المقال ، جريئا ×عند النزال . وأحفظ له ذريته بعد وفاته ، فلا يلحقهم شر ، ولا يصيبهم ضرّ ، ولا ×يكونون عالة يتكففون (16) الناس ، فيموت قرير العين، مثلوج الفؤاد بيته معمور ، وذكره مأثور ، وعرضه موفور (17) وكأيِّن من أناس إصطفَوْنى رفيقا ، واتخذونى صديقا ، فطفقت أمد لهم فى أسباب الواسع ، والجاه العريض ، وأمهد لهم وسائل التقدم والرفعة ، وأفتح لهم بقوة المال المُدَّخَر ، الأبواب الموصدة ، وأخفت برنين الذهب أصوات منافسيهم ، وأنير لهم ببريق النُّضَار (18) ، طرق الإنتصار ، . فما هى إلا أيام قلائل حتى نبه ذكرهم ، وكان خاملا ، وعلا قدرهم ، وكان وضيعا ، وأصبحوا بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكورا، ملء البصائر والأبصار ، بل علَما (19) فى رأسه نار ,.




(1) أرتبيت الشىء : زدته  (2) المتربة : الفاقة
(3) راشه : أصلح حاله  (4) أسنى : أسهل
(5) أفاد : إستفاد  (6) الشظف : الضيق والشدة
(7) المدقع : الملصق بالتراب  (8) الخفص : الدعة
(9) الضنك : الضيق فى كل شىء  (10) ناصب : متعب


(11) كبحه : شده باللجام  (12) راضه : ذلله
(13) الألد : الشديد الخصومة  (14) القلب : المحتال
(15) الطرف : العين  (16) يتكففون : يمدون أيديهم بالسؤال
(17) موفور : تام  (18) النضار : الذهب
(19) العلم : الجبل




ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام