الثلاثاء، 31 مايو 2016

الثمن [ قصة قصيرة ] أ/ ساميه سليمان الشاعرة والأديبة


------
وصلت برقية للسيدة [ ابتسام ] من زوجها في مقر عملها بشركة سياحية كبري مضمونها [ تزوجت من كويتية ثرية وأدير أعمالها بشركتها .. لن أعود إلي الوطن .. ستصلك وثيقة الطلاق مع مستحقاتك الشرعية .. توقيع [ طليقك فلان ].
ما أن قرأت ابتسام تلك الكلمات حتي انهارت تماما وانهمرت دموعها علي خديها .. مما جعل زملاءها يلتفون حولها يتساءلون : كيف تبكي مدام "سمايل " هكذا ؟ كانوا يلقبونها بهذا الاسم حيث الابتسامة لا تفارق شفتيها أبدا .. ماذا بالبرقية ؟ .. لكنها أخفتها بسرعة قائلة : لقد توفي عمي .. كنت أحبه كثيرا .. رحمه الله .
تلقت التعازي .. جففت دموعها وتظاهرت بتماسكها .. واستأنفت عملها .. وكانت محبوبةمن الرؤساء والزملاء فهي مجتهدة في عملها وجميلة وأنيقة .. وخفيفة الروح ودمثة الأخلاق.
بعد انتهاء فترة العمل الصباحية توجهت إلي منزلها .. ألقت حقيبتها جانبا .. ثم ألقت بنفسها علي السرير وأجهشت بالبكاء .. وكاد رأسها ينفجر... فلماذا خانها زوجها ؟ ولماذا طلقها ؟ وبما تتميز عنها تلك المرأة ؟ أهي نزوة شيطانية ؟ أم هو الطمع ؟ أم مجرد خيانة ؟ وهذا هو أسوأ الأسباب ..
لقد كانت تعيش علي أمل عودته ليجمع شمل الأسرة من جديد .. ويعوضهم عن سنوات الحرمان العاطفي .. وأخذت تسترجع عجلة الزمن للوراء لتحاسب نفسها .. فهل هي أخطأت في حقه يوما ؟ .. لتجد الإجابة بالنفي .. فلم تألُ جهدا لراحته وسعادته .. وأغدقت عليه من حبها وحنانها ومالها لتساعده علي السفر ومستلزماته .. وظلت وفية مخلصة له أُناء سفره .. لقد سافر ليهيئ للأسرة حياة إقتصادية مستقرة وهانئة .. وتحملت هي الأعباء كلها في تربية ابنها كأم وأب في نفس الوقت حتي تخرج في الجامعة .. عشر سنوات تحملتها راضية علي أمل عودته .. عانت فيها من الوحدة والحرمان والقلق .. ثم تكون تلك هي النهاية الصادمة .. لكنها لم تستطع الاستسلام للأمر الواقع فهذا ظلم جائر .. وجرح غائر لكرامتها .. وإهانة لها ولابنها .. إذن لابد أن يدفع هذا الخائن ثمن خيانته ......
توجهت إلي شركة الطيران .. حجزت تذكرة للكويت .. حصلت علي تأشيرة السفر وعلي إجازة .. سافرت .. ظلت تسأل وتبحث حتي وصلت إلي الشركة التي يعمل بها طليقها .. وقبل أن يصل هو - دخلت إلي مكتب السكرتيرة وأفهمتها أنها أخته .. أدخلتها مكتبه لانتظاره ..
إنه مكتب فخم وبه العديد من التليفونات وجهاز فاكس وكمبيوتر وكل متطلبات العمل الحديثة .. وأنتريه فخم ومريح جدا .. حتي أن المقعد الواحد يتسع لأكثر من شخص .. إن هذا ماقدمته له الزوجة الجديدة .. لكنني قدمت له الكثير والكثير. . وساندته بكل ما أملك حيث كان موظفا بسيطا .. وكانت تعجبني بساطته .. وأنجبت له ولدا جميلا يحمل اسمه .. هكذا كانت تحدث نفسها .. فهل تستحق منه هذا المصير ؟ وتلك الخيانة .. قامت من مقعدها . وجلست علي مكتبه .. وأخذت تعبث ببعض الأشياء المبعثرة علي مكتبه .. ثم أمسكت بفتاحة الخطابات .. إنها جميلة جدا وكأنها من الذهب الخالص .. وحادة كالسكين بل أحد ..
إلي هذه اللحظة لم تكن تعلم ماذا ستقول له .. وماذا ستفعل .. سمعت صوت السيارة .. نظرت من خلف النافذة .. هاهو قد وصل في سيارة طكابريس" سوداء وبجواره زوجته الجديدو .. بغادران السيارة .. إنها امرأة عاطلة من الجمال .. وملابسها لا تمت للذوق بصلة .. وتضع علي وجهها كمية كبيرة من المساحيق تكاد تخفي معالمه الحقيقية .. أما هو فقد صار نحيفا ضعيفا وظهرت علي وجهه التجاعيد .. وغزا الشيب رأسه ..ياخسارة .. لقد باع نفسه بثمن بخس .. وباعني وابنه من أجل هذا الثمن ..
لازالت فتاحة الخطابات بيدها تحركها يمينا ويسارا .. ومازالت تفكر كيف تأخذ بثأرها من هذا الخائن ..
اختبأت خلف الباب حتي لا يراها أثناء دخوله .. توجه إلي مكتبه وتوجهت زوجته إلي مكتبها .. أخبرته السكرتيرة أن أخته تنتظره بالداخل .. تعجب .. طلب منها ألا تدخل أحدا إليه بالمكتب .
دفع الباب ودخل .. أغلقت هي الباب بهدوء .. طعنته في ظهره بالفتاحة بكل ما أوتيت من قوة .. سقط علي أحد المقاعد دون أن يراها .. خرجت من الباب مسرعة .. أغلقت الباب وقالت للسكرتيرة : لا تدخلي أحد عليه فهو مشغول جدا ..
إستقلت سيارة أجرة وعادت إلي المطار .. صعدت علي أول طائرة مغادرة .. ربطت الحزام وقد تملكها الفزع لفعلتها ..
استيقظت علي صوت طرق علي باب حجرتها .. إنه ابنهاالشاب الجميل يدعوها لتشاركه الطعام .. كان وجهها محتقنا .. ولكن رؤيته مبتسما أعادت إلي وجهها هدوءه ..
سامية سليمان
أعجبني
تعليق

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام