العائلية وأيديولوجية مصر الوحيدة
¨
في مصر هناك أيديولوجية واحدة حاكمة لعلاقات
المجتمع والدولة وهى العائلية. من عائلة (مبارك) إلى عائلات الإخوان؛ إلى العائلية
في حزب التجمع وعائلات الوفد، كلها علاقات نسب ومصاهرة وقرابة؛ ففي حكومات (مبارك)
المتعاقبة كان على الأقل هناك أكثر من وزير في الوزارة الواحدة؛ إبن خاله الثاني
أو متزوج من أخت الثاني والأسماء معروفة لكل المصريين؛ العائلية سمة في حزب
الإخوان اليميني، كما هى سمة من سمات حزب التجمع اليساري. هى ذات العلاقات القرائبية
سواء تغلفت بغلاف الإسلام؛ أو بغلاف الإشتراكية؛ ولكن ما إن تنزع الغلاف -أياً
كانت زينته ولونه؛ سواء أحمر شيوعي أو أصفر وسطي أو أخضر إسلامي- فإن ما بداخل
العلبة هو العائلة وعلاقات القرابة. الأيديلوجية بمعناها الإلتقاء حول فكرة أو
رؤية دونما إلتفات لعلاقات القرابة الملتفة حولها هى أمر غريب على مجتمعاتنا. إلتف
الشباب في ثورة 25 يناير ولمدة 18 يوماً، و18 يوماً فقط؛ حول التغيير كمفهوم
مشترك، وما إن سقط الرئيس حتى عادت الشللية والعائلية سيرتها الأولى وبطباع أكثر
وضاعة أحياناً. بالطبع هناك إستثناءات؛ ولكنها أقرب إلى ما يسمى في الإحصاء بهامش
الخطأ.
.. المهم في الموضوع
كله أن يتنبه من يروجون لفكرة أن هناك أيديولوجية بمعنى الإلتقاء حول فكرة؛ سواء
أكانت إخوانية؛ أو سلفية؛ وأن هذه الأيديولوجيه الإسلامية ستظل كاسحة في إنتخابات
مجلس النواب المقبل؛ فعلى هؤلاء أن يبحثوا عن العائلية وعلاقات القرابة خلف تلك
الأيديولوجية الإسلامية البراقة؛ وتنقب عن العائلات الإخوانية؛ والعائلات السلفية.
فكما هناك عائلات وفدية فهناك عائلات إسلامية؛ ولكنها عائلات في النهاية..
فالتحليق في عالم الأيديولوجيا يبعدنا كثيراً عن فهم المجتمع المصري؛ ومنظومته
القيمية الحاكمة؛ التي لم تنتقل قيد أنملة.
.. لو قرأ (مبارك)
الآن -المحبوس في سجن طره- كتابين؛ أو ثلاثة؛ في علم الإجتماع؛ أو الأنثروبولوجيا
السياسية؛ ثم تحدث بعدها للمصريين؛ لقال لهُم جملاً قصيرة (تفوَّر الدم) كما
يقولون في مصر. مثلاً يمكن للمرء أن يتخيل أن (مبارك) قد يقول:(إنها لم تكن
ثورة؛ بل هى حركة تنقلات في وظائف الدولة؛ بدليل أنكم خلعتموني وتسرعتم في الخكم
على بعض وزرائي المقربين؛ فماذا حدث؟! الذي حدث هو أن الواقفون في طابور الترقي في
البيروقراطية المصرية نقصوا واحداً في أول الصف، وجاء الذي بعده؛ وانتوا وحظكم
بقى؛ فمن الممكن أن يكون الذي يليه أكثر؛ أو أقل كفاءة. وبالفعل لم يحدث شيئاً سوى
أن الطابور إتحرك شويه للأمام؛ فمنهم من ذهب إلى ميدان التحرير للحصول على
الشرعية؛ رغم أنه كان مع نظامي على طول الخط؛ ولكنه عمل ذلك لحماية مصالحه؛ أي أنه
من مدرسة just in case ")تحسُباً إذا ما جد في الأمور أمور").
.. لو تحدث (مبارك)
طبعاً بعد قراءة كتابين أو ثلاثة لقال:(إن بلطجيتي بالأمس هُم بلطجيتكم اليوم؛
فقط غيروا الغلاف من أبناء "مبارك" والنظام الجديد؛ ولبسوا لباس الثورة؛
الأبواق الإعلامية التي كان "صفوت الشريف" يستأجرها لخدمتي هى ذاتها
التي إستأجرها الوزير الحالي لخدمة الإخوان المسلمين.. إذن أين هى ثورتكم؟! القيم
التي كنا نبني عليها دولة العائلة؛ هى ذات القيم الحاكمة للدولة بعد ثورتكُم).
.. لو تحدث (مبارك) لقال:(لا تستبشروا خيراً؛ فالدنيا على حالها لأن ذات
القيم القديمة التي تحكم المجتمع المصري لم تُمَس... طبعاً المحافظين ورجال الأمن وبعض
القضاة الذين زوروا لي الإنتخابات في 2010 هُم هُم؛ لا يعرفون إلا هذه الطريقة
التي تربوا عليها منذ تخرجهم من الجامعة).
.. بالطبع هذه فانتازيا عن حديث (مبارك)؛ لأنه لن يتحدث. ولو تحدث فلن يقول
هذا الكلام؛ لا اليوم؛ ولا بالأمس؛ إلا في إطار العائلة والشلة.
.. بالفعل ما حدث في مصر هو ترق للصف الثاني في الطابور البيروقراطي
المصري، شئ أشبه بحركة تنقلات الشرطة؛ أو القضاة.
.. الثورة تبدأ في الرأس وليس في ميدان التحرير؛ الثورة هي تغيير في القيم
الحاكمة للمجتمع؛ وليست حركة في طابور الجمعية؛ في مجتمع تسوده العائلية
كأيديولوجيته الأولى الحاكمة؛ فإننا سنجد في مصر تنويعات على نظام (مبارك) بصيغ
مختلفة وأقارب وشلل مختلفة، وعائلات مختلفة، وأقارب وشلل مختلفة، ولكن ستبقى
العائلية هى أيديولوجية مصر الوحيدة؛ إلا إذا حدثت معجزة، وثورة يناير معجزة،
ولكنها لم تتم أكثر من ثمانية عشر يوماً، وبعدها عادت مصر إلى سيرتها الأولى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق