الاثنين، 17 أبريل 2017

الفتى الكريم - تأليف السيد القماحي

1 - الفتىَ الكريم


      بإحدىَ قُرى الجنوب بصعيد مصر ، عاشت أُسر الأصدقاء الثلاثة :
      ( كريم وأحمد وخليل ).
      ذات يوم  ... سقطت شجرتهم العجوز ... العزيزة .. كان لسقوطها دوي .. كما لموت أحد الآباء ، أو أحد الملوك العِظَام.
     بكىَ العجائز ، من أصحاب الشَّجَرة . .. أما الأبناء ، فقد واجهوا الحادث بالدَّهشة .
كانت الشجرة أماً للجميع ، تطرح ظلها ، وتفرشه فى دائرة واسعة على الأرض ، وتطل بفروعها على كل بيت حولها، وبفروعها الكثيفة .. تحتضن المنازل ، والأطفال والحيوانات كالكلاب والماعز والقِطط..
كما تحتضن سائر الطيور الداجنة ، كالدجاج ، والبط والأوز ، وغير الداجنة ، كالغربان والبوم ، وأبى قردان .. وكانت الشجرة ملاذاً للجميع .... تحميهم من الحرارة الشديدة فى قيظ الصيف ، كما كانت ملجأ للغرباء ، للراحة فى أثناء مرورهم وسفرهم ، وعبورهم لنهر النيل ، الذى يقع شاطئه ، على بُعد خطوات قليلة .
     وفى ظِل هذه الشجرة كانت تمتد الموائد ، فى المناسبات وفى الأعياد ، فيأكل الفُقراء والغُرباء وأبناء السبيل .. فى رحابها بالنهار ، يكون اللقاء ولعب الأولاد ، الكِبار منهم والصِّغار ... وفى أثناء الليل ، يكون السَّمَرْ والسهر والدُعاء.
     قرب الفجر .. تطلق الطيور ، كبيرة الحجم ، صَيحاتها مُدوية ، وترفرف بأجنحتها ، فرحة سعيدة ، عند قِمة الشجرة ، فينهض الرجال ، للعبادة ويستعدون للعمل.
وتنهض الأمهات مع أطفالهن ، بحثاً عن ثمار التين والجوافة ، وغيرها من ثمار الفاكهة ، التى تجلبها معها ، هذه الطيور، من البساتين القريبة والبعيدة ، وتتركها تسقُط من مخالبها ، لتقع على الأرض ، فوق الأوراق الجافة ، المتناثرة ، ويلتقطها الأطفال، فرحين ، مع أُمهاتهم .
     تعجب بعض الغرباء ، وتساءلوا :
- لماذا يحزن أصحاب هذه الشجرة لسقوطها ، كل هذا الحزن؟
أجاب عن تساؤلهم ، كريم ، عند سماعِهم :
- هذه الشجرة تُسمَّىَ شجرة ( النيم ) ، وهى ثروة وصيدلية ، وصديقة لكل سُكان الحىّْ ، والقرية ، وعزيزة علينا ، خاصة نحن الأولاد ، إذ جعلت هذه الشجرة من بيئتنا بيئة صالحة ، وصحية مائة فى المائة .
- كيف تكون هذه الشجرة ثروة ؟ .. وما الفرق بينها وبين الأشجار المنتشرة فى سائر القُرى والمزارع ، وعلى حَواف الترع، والطرق الممتدة وسط الحقول ؟
- هل سمعتُم عن شجرة تصيب البعوض فى مقتل ؟! .. وتجعل الذباب يعجز عن الطيران ، وتقضى على جميع أنواع الهوام ، والحشرات الضارة ، المنتشرة فى الجو...؟ . وتجبر الفئران على الهرب ، وكذلك العقارب والثعابين .. هذه الشجرة تفعل كل ذلك ..!
      أما عن كونها ثروة ، فاسألوا عنها تُجار العِطارة ، فهُم يُجففون أوراقها ، ويسحقونها ، ويبيعونها بالميزان ، مسحوقاً ثميناً ، كالدقيق ، ينثره الفلاحون فى الأرض ، فيخصب التربة ، ويقوى الزرع .
     وينثرونه على الحبوب ، فيحفظها من العَطَب والتَلف والتسوس... مما يُغنيهم عن الكيماويات والمبيدات السامة .
وعندما تساءلوا أيضاً :
- وكيف تكون هذه الشجرة صيدلية كامِلة ؟
أجابَ كريم :
- لأَن عِطارتها ، من مسحوق أوراقها ، وفروعها ، تُعالج أخطَّر الأمراض ، مثل الحُمَّىَ ، والروماتزم ، والجُزام ، وألام الصُّداع، وتقرُّحات الجلد ، وأوجاع المعدة ..!
أما زيوتها ، فحدثوا عنها ولا حرج ، فهى تُقوى فروة الرأس ، وتزيد من لمعان الشَّعَرِ وتقوى من جذوره ، وتحفظ فروة الرأس..!
     أما جذوعها فتخصِّب التُربة ، وتمد النبات بالغذاء .
     عقب سقوط الشجرة وقف الأبناء الثلاثة ، الورثة ، وأمامهم على الأرض ، تمدد جسم الشجرة ، فى حُزنهم عليها إتفقوا، لكن فى أرائهم عنها إختلفوا ، قال خليل بحماسة ، وانفعال :
- أخشاب هذه الشجرة ، لا يجب أن تُحرق أو تُباَع ، بل تُرفع كمساند ، وعوارض لأسقف البيوت ، لكى تكون فوق العيون والرءوس كما كانت ..!
وقال أحمد :
- بل يجب أن تُباع ، أخشاب هذه الشجرة ، لكى ننتفع نحن بثمنها ، وينتفع الفلاحون بمسحوق أوراقها ، وأخشابها ، وانضم كريم إلى أحمد فى رأيه فى أول الأمر .
     وامتد هذا الجدل طويلاً ، بين هؤلاء الأولاد الثلاثة ، إلى أن فال كريم أخيراً !
- معقول ! ، نستمر فى هذا الجدل ؟ .. أليس هذا شيئاً عقيماً؟ هيا نزرع شجرة جديدة ، بدلاً من تلك القديمة ، التى سقطت وقد كان ..
- أحضِروا ( فسيلة ) ، لشجرة جديدة ، من نوع القديمة نفسها ، وتم زراعتها فى مكانها نفسه ..
     حينئذ ، عرف الناس ، الغُرَباء خاصة ، أن شجرة ( النيم ) أصلها بلاد الهند ، ومناطق الجنوب الحارة ، كمانِطق الصعيد.
     وسارع الناس، بجلب فسائِل ، لهذه الشجرة وزراعتها ، فى ساحات القُرى ، وعلىَ نواصى الطرق ، وعلى رأس كُل حقل، من حقول القرى المختلفة ، وأمام كل مدرسة فى أنحاء المحافظة.
     ونَعِمَ الناس ، فى جميع هذه النواحى ، بإختفاء البعوض ، وهروب الفئران والعقارب، ومعها هروب الثعابين ، من أثر هذه الرائحة القوية والنفاذة التى تبثها ، شجرة ( النيم ) ، فى مُحيطها ..!
     وسأَل المحافظ ، كبار مُساعديه ، من حوله :
- بماذا نُكافىء الولد كريم ، الذى شجع الناس على زرع ونشر (صيدليات ) خضراء طهرت البيئة ؟ .. هذا التطهير الذى لا يقوى عليه مفعول السِّحر ..! وكان الجواب على تساؤل المحافظ هو : منح كريم ، تذكرة طائرة ، مجانية ، من قِبَلْ وزارة الزراعة ، للسَّفر والنُّزهة ، فى بلاد الهند ، التى إختار هو زيارتها، تلك البلاد ، التى هى الموطن الأصلى ، لشجرة (النيم).
     هذه ( الصيدلية ) الخضراء ، المتكاملة ، والعجيبة !

إنتهت




ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام