الثلاثاء، 10 مايو 2016

محمد نجيب -- أول رؤساء مصر - من كتاب (جبروت الطاغية وطغيان الحاشية) تأليف عزت عبد العزيز حجازي

- محمد نجيب

¨  اللواء أركان حرب السياسي العسكري؛ أول رئيس لمصر؛ لم يستمر في سدة الحكم سوى فترة قليلة؛ بعد إعلان الجمهورية في يونيو 1952 – وحتى نوفمبر 1954؛ حيث عزله مجلس قيادة الثورة ووضعه تحت الإقامة الجبرية بعيداً عن الحياة السياسية لمدة 30 عاماً؛ مع منعه تماماً من الخروج أو مقابلة أي شخص من خارج أسرته.. وفي سنواته الأخيرة نسى كثير من المصريين أنه لا يزال على قيد الحياة؛ حتى فوجئوا بوفاته عام 1984.. وكان (محمد نجيب) أول حاكم مصري يحكم مصر حكماً جمهورياً؛ بعد أن كان ملكياً؛ قبل قيادته ثورة 23 يوليو أو الإنقلاب العسكري كما يطلق عليه البعض والذي انتهى  بعزل الملك (فاروق).. ومن بعد ذلك أعلن (محمد نجيب) مبادئ الثورة الستة؛ وحدد الملكية الزراعية؛ وكانت له شخصيته؛ وشعبيته المحببة في صفوف الجيش المصري والشعب المصري؛ حتى قبل الثورة لدوره البطولي في حرب فلسطين.. عاصر (محمد نجيب) أهم الأحداث التي مرت على تاريخ مصر الحديث من جلاء القوات البريطانية في مصر عام 1954؛ وتأميم قناة السويس؛ والعدوان الثلاثي عام 1956؛ إلى الوحدة مع سوريا عام 1958؛ ومشاركة القوات المصرية في حرب اليمن عام 1962؛ مروراً بالنكسة ووفاة (عبد الحكيم عامر) عام 1967؛ ووفاة الرئيس (جمال عبد الناصر) عام 1970؛ وحرب أكتوبر 1973؛ ومعاهدة كامب ديفيد عام 1978؛ واغتيال الرئيس (السادات) عام 1981.. على الرغم من رغبة (محمد نجيب) في وصيته؛ أن يدفن في السودان؛ بجانب أبيه؛ إلا أنه دفن في مصر؛ في جنازة عسكرية مهيبة.
.. ومع كل ذلك فما زالت المخيلة الشعبية الثرية تحتفظ للواء (محمد نجيب) أول من حمل لقب الرئيس في تاريخ مصر؛ بملامح الرجل الطيب؛ المظلوم؛ فحين أعجبه حماس الضباط الأحرار لم يتردد في الإستجابة لهم لاقتناعه بعدالة مطالبهم؛ وغامر بتاريخه الوطني والعسكري المشرف؛ وقبل أن يكون مرشحهم في انتخابات نادي الضباط قبل الثورة؛ معارضاً رغبة الملك؛ ومعرضاً نفسه لكافة المخاطر؛ إيماناً منه بضرورة القضاء على الفساد الذي استشرى في المجتمع والجيش المصري؛ ونجحوا في إسقاط مرشح القصر؛ وذاع صيتهم؛ ولم ينقذ تنظيمهم سوى السرية المحكمة التي أحاطوا بها أنفسهم حيال أجهزة الأمن النشطة.. وحين تحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952؛ كان اللواء (نجيب) في صدارة المشهد؛ وبنجاحهم إنحاز للعدالة الإجتماعية؛ وقام مع الضباط الأحرار بتوزيع أراض الإقطاعيين على الفلاحين بعد أقل من شهرين.. فلمس الشعب الفائدة المباشرة للحركة؛ وباركوها بتسميتها ثورة فأكسبوها زخماً اجتماعياً واسعاً؛ وانحاز اللواء (نجيب) للديمقراطية؛ وفضل عودة الجيش إلى ثكناته بعد تطهير الأحزاب السياسية؛ وتغيير برامجها الإجتماعية لصالح الشعب؛ لكن (عبد الناصر) وأنصاره في مجلس قيادة الثورة لم يقبلوا هذا؛ ورتبوا لتنحية اللواء (نجيب) بعدما أنجز مهمته المرحلية كما خططوا لها؛ وانفردوا بالسلطة بعيداً عن الديمقراطية التي كان يمكن أن تمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه؛ وتوفر عليه 60 عاماً من الإستبداد والعسف والإقصاء وعسكرة المجتمع حتى الآن؛ بالرغم من قيام ثورة 25 يناير .. لذا بقى الرئيس (نجيب) في الوجدان الشعبي رمزاً للوطني المخلص حسن النية؛ مهضوم الحقوق؛ وقد تحمل من الظلم ما لايطاق؛ حيث فقد حريته الشخصية بتحديد إقامته الجبرية لأكثر من عقدين في فيللا (زينب الوكيل) بالمرج حتى نسيه الناس؛ وحذف إسمه من الكتب المدرسية كونه أول رئيس جمهورية.. وخلال هذه الفترة القاسية مات له ولدان حرم من حضور جنازتيهما وتلقي العزاء فيهما؛ وطرد إبنه الثالث من عمله حتى اضطر للعمل كسائق تاكسي.. وقضى الرئيس (نجيب) وقته في قراءة القرآن وسماعه والتنقل خلف الظل في الصيف؛ وتلمس دفء الشمس في الشتاء؛ وشاء القدر أن يشهد رحيل الرئيسين (عبد الناصر) و(السادات)
.. ورحل هو لاحقاً في عهد (مبارك) وسط حالة إشفاق وطني زادت حالته شجناً؛ بعد كل ما بذله في نصرة ثورة يوليو؛ وتغيير وجه الحياة جذرياً في مصر والمنطقة؛ح مخلفاً له كتابه المهم (كنت رئيساً لمصر)؛ والذي يقطر صدقاً وتسامحاً ويفيض بحزن آليم.. لهذا أفرد له هذا مرتقى عالياً في الوجدان الشعبي؛ لا يرفع إليه إلا الأطهار أصحاب النفوس العظيمة والهمم العالية في تاريخ الأمم.

(رحم الله محمد نجيب رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته)

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام