وقفت أمام المرآة تتراقص وهي مزهوة بنفسها وتدندن ببعض الأغاني تصف فيها جمالها[ يابتاع التفاح .. فين تفاحك راح .. ف خدود ست الكل ] ، وتبتسم وهي تري نفسها ازدادت طولا .. وعودها التف .. وبدأت تنسحب من عالم الطفولة لتقتحم عالم النساء .. ثم سألت نفسها :
- تري هل أنا فعلا كبرت ؟ .. أم أنني مازلت صغيرة .. لقد روقني الله برجل وامرأة أجدهما حولي دائما ليضيِّقا عليّ الخناق .. ويحاصراني بأوامرهما ونواهيهما .. ويعتبران كل ما أفعله خطأ .. ويفعلان هما كل مايحلو لهما .. ومع ذلك يؤكدان أن كل ما يفعلاه معي لأنهما يحباني .. شيء غريب .. أنا صراحة لم أعد اعرف بالضيط إن كنت أحبهما أم لا .. فأنا أعيش بينهما كالدمية .. يتصرفان معي كما يريدان هما .. لا كما أريد أنا .. مما جعلني في حيرة دائمة .. ومما يزيد عصبيتي وثورتي علي الأشياء .. ما يسببانه لي من إحباط مستمر ..فعندما أطلب شيئا يخص الصغار .. يوبخاني ويقولان أني كبرت علي هذه الأشياء .. وليس من اللائق أن أطلبها .. وعندما أطلب أشياء تخص الكبار .. يقولان أني لازلت صغيرة .. وعيب عليّ أن أقلِّد الكبار .
لقد بلغت من العمر خمسة عشر عاما .. ولا أعرف لأي الفريقين أنتمي .. للصغار أم للكبار .. لقد ضقت ذرعا بهما .. وأتمني أن أتركهما وأعيش في أي مكان آخر .. أفعل فيه ما أريده أنا .. وأشعر بكياني .. لكنني للأسف لن أستطيع أن أحقق هذه الأمنية .. لأنني مازلت أحتاج إليهما .. فأذكر ذات يوم حرمني أبي من مصروفي لأني كسرت كوبا عندما قذفته متعمدة علي الأرض ، وكنت عصبية المزاج لأن أمي رفضت أن أخرج لأتنزه مع إحدي صديقاتي .. ولم أستطع أن أشتري الأشياء التي أحبها .. وشعرت ساعتها أن الإنسان بلا مال يشعر بالضياع ..
اقترب العيد .. صحبتني امي لتشتري لي حذاءً جديدا .. ألححت عليها أن تشتري لي حذاءً له كعب عال .. فرفضت بشدة وقالت أن الحذاء " الكوتشي " عملي ومريح وينفعك أيضا في المدرسة ، وأنت لازلت صغيرة ، لبس الكعب العالي يضرك .. وسألت نفسي :
- لماذا لايضرها هي فهي ترتديه منذ زمن طويل ..
- لماذا لايضرها هي فهي ترتديه منذ زمن طويل ..
بكيت طويلا لكنها لم تهتم ببكائي ، وأصرت علي رأيها .. ومما زادني ضيقا وغضبا أنها اشترت لنفسها ذلك الحذاء ذا الكعب العالي الذي كنت أحلم به لنفسي .
ذهب أبي لعمله .. وذهبت أمي إلي السوق .. إنها فرصة لا تعوض .. سألبس حذاءها الجميل الجديد ذا الكعب العالي .. والذي اشترته لنفسها وحرمتني منه .. وسأخرج لأشتري بعض أكياس البطاطس المقرمشة اللذيذة .. والتي لا تعرف أمي كيف تعملها وتقول إنها ليست مفيدة ولا مشبعة .. لكنني علي آية حال أحبها جدا .. ولا يكفيني كيس واحد منها .. فهم يضعون فيها أشياءً فاتحةً للشهية لا تعرفها أمي.
أين الحذاء ؟ أين الحذاء ؟ هاهو .. سألبسه هكذا .. إنه جميل جدا في قدمي وربما يكون أجمل منه في قدمي أمي .. سأجرب المشي به .. تاتا .. تاتا .. رائع.. أري ساقي تهتزان قليلا وأنا أمشي .. لكن لا بأس .. غير مهم .. سأخرج به مهما كلفني ذلك .. ولن أضيع الفرصة .. وسأعود قبل أن تعود أمي .
مالهذا الشاب ينظر إلي ويضحك .. ويركز نظره علي الحذاء .. هل أنا أضحوكة ؟ .. ياله من سخيف وتافه .. سأسرع الخطي لأثبت له أني أجيد المشي بالكعب العالي ، حتي يخجل من نفسه .. آه .. لقد إلتوت قدمي .. وكُسِرَ الكعب .. ياللكارثة .. إنه يضحك ويقهقه بصوت عال .. يالك من أحمق .. سألقنك درسا لن تنساه .. سأقذفك بهذا الحذاء المكسور ..
- خذ في وجهك أيها الأحمق المغرور حتي تضحك جيدا ...
- خذ في وجهك أيها الأحمق المغرور حتي تضحك جيدا ...
إزدادت قهقهته .. لم يبال .. يبدو أنه من ذوي الدم البارد .. لكن ماذا أفعل الآن ؟ سأدخل بسرعة في هذا "السوبر ماركت" وأتصل هاتفيا بالبيت لعل أمي تكون قد عادت .. وتحضر لي حذائي .. إنها ستثور عليّ .. وسيحرمني أبي أيضا من المصروف .. لكنني فعلت ما أريد وحسب .. وليكن ما يكون .. ياخبر .. لم تعد أمي بعد .. لا أحد بالبيت .. أتي لي أحد عمال المحل بكرسي لأجلس عليه وهو يبتسم لأني أرتدي فردة حذاء واحدة .. لعلي أعيد الكرَّة مرات ومرات .. عسي تكون أمي قد وصلت .. مرت حوالي الربع ساعة .. لم تصل أمي إلي البيت .. يالها من ورطة .. أري الشاب إياه يدخل المحل وبيده لفافة .. اقترب مني في هدوء قائلا :
- تفضلي .. لقد أصلحت لك الحذاء المكسور .. وأتيت لك بحذاء أختي الصغري لتلبسينه وتعودين إلي بيتك .. واسمحي لي أن أقول لك شيئا .. لماذا لا تتركين الكعوب العالية لقصار القامة؟ .. فطولك جميل جدا .. ولا تحتاجين لهذا الكعب . . ثم ابتسم هامسا لها : ثم إنك تعجبينني هكذا .. بدون كعب .. وبدون حذاء أيضا .. سأنتظرك غدا في مثل هذا الموعد هنا أمام المحل .. لتعيدي حذاء أختي .. لا تنسي ..
- تفضلي .. لقد أصلحت لك الحذاء المكسور .. وأتيت لك بحذاء أختي الصغري لتلبسينه وتعودين إلي بيتك .. واسمحي لي أن أقول لك شيئا .. لماذا لا تتركين الكعوب العالية لقصار القامة؟ .. فطولك جميل جدا .. ولا تحتاجين لهذا الكعب . . ثم ابتسم هامسا لها : ثم إنك تعجبينني هكذا .. بدون كعب .. وبدون حذاء أيضا .. سأنتظرك غدا في مثل هذا الموعد هنا أمام المحل .. لتعيدي حذاء أختي .. لا تنسي ..
كل هذا وأنا أنظر إليه كالبلهاء .. ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد لخجلي من نفسي لتصرفي معه .. ولإعجابي به لتصرفه معي .. وإنقاذي من الورطة التي وضعت نفسي فيها .. ولأنه يتمتع بشخصية قوية وخفة ظل ..
لبست حذاء أخته .. إنه مقاسي تماما .. عدت إلي المنزل .. وضعت حذا أمي مكانه بعد أن نظفته تماما .. ولم يعد لبس الكعب العالي يشغل فكري .. لكنه شُغِلَ بأشياء أخري جديدة .. ولذيذة .
سامية سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق