الخميس، 15 مارس 2018

خطوات على الأسفلت - Fatma Yaakob


شعرت بثقل قدمى ، ودوار يسبح بي، إحساس يأخذني الى سواد، يرتفع بي في دورات متتاليه الى أعلى ، ثقل جسدي ، لحظات رحت بعدها فى غيبوبة ، هويت إلى ألارض ، سمعت أصوات من التفوا حولى، تصلنى من بعيد ، منهم من ساقه فضوله ليعرف ماذا يحدث ؟، ومنهم من أشفق على طفل صغير هوى إلى الأرض، شعرت بإختناق ، تنفست بعمق ، طلبنا لبعض الهواء ، ولكن لا فائدة ، شعرت بكل شئ حولي يضغط علىَّ، حتي لمسات الناس لجسدى، لم اعدأشعر بها أحقا لمسوني؟ ام اتخيل ، لا أدرى ، لم أعد أشعر بشئ .
حاولت أن أتذكر من أين اتيت ، وإلى أين أنا ذاهب ، لم اتذكر ، غاب عن عقلى كل ما حدث لى ، كنت أرى الناس حولى أشباح تتحرك ثم تصطدم بى، صور باهته مرت بخاطرى . دفقات من الماء غمرت وجهى ، مازالوا يحاولون إفاقتي ، بدأت افيق وألملم افكاري ، آه ..تذكرت الأن ما حدث لى منذ يومين ، تذكرت أنني هربت .. آه ...نعم هربت من ضربات زوجها لى ، لطمات تهوى على وجهي ، بقسوة جعلتني أفر من أمامه ، ... سامحك الله يا ابي، لو كنت أنت الذى يضربنى ما كان ضربك لى يكون هكذا، كانت مجرد مشاجرة بسيطة مع ابنته أختي الصغيرة ، هي أختي وأحبها ، كانت مجرد مشاجرة أطفال ، ولكن بكاؤها جعل أبوها ينتصر لها،
وهوى عليَّ ضربا ، هربت لحظتها ، لا أعرف إلى أين سأذهب، المهم ، أن أفر من امامه ، تفادينا للضربات العنيفه التى تهوى عليَّ، آه سامحك الله يا أبى تركتنى بلا سند ، أبي... وأين هو ؟لا أنسي ابدا ماذا فعل معى ، يوم هربت أول مرة وهرعت اليه طلبنا للامان ، ، هربت يومها من الضرب ، كان الرجل يتحين الفرص لينهال عليَّ ضربا بسبب وبدون سبب ، كان يوم وقفة العيد الماضى، ، لم أفعل شيئا يومها أستحق عليه الضرب ، فقط طلبت من أمى، ملابس جديدة مثل رفاقى ، غضب زوج امى يومها غضبا شديدا ، وراح يضربنى ، هربت ولم أفكر فى أحد سوى أبي، ذهبت اليه ، طرقت بابه، مرة ومرات دون جدوى ، ناديت عليه كثيراً ولكنه لم يفتح الباب ، وعندما تعبت ،إنكمشت في ركن من السطح في انتظاره ، هبت يومها لفحة هواء بارد ، جعلتني انكمش على نفسى ألملم ملابسى، على جسدى ، اطلب الدفء، لم أعرف مكانا آخر أذهب اليه ، إنتظرت طويلا ، كنت أسمع ضحكات أبي ، ورفاقه بالداخل، مرت الساعات ، وأنا متكور عل نفسى فى الركن المظلم من السطح ،حتى غفيت مكانى، قضيت ليلتي تائها فى صحراوات القلق ومتاهات الأرق ، اتساءل عما سيحدث لى وماذا سيكون مصيرى .
حين استيقظت كان الفجرقد بزغ ، وبدأت خيوطه تنسج على الليل تباشيره الناعمة، آنس وحشتى إنبلاج النهار ، وفجأة سمعت صرير باب حجرة أبى يفتح فى هدوء، تسللت منه أشباح ، واحدا تلو الأخر ، دون كلمة، كانوا يخرجون فى بطء وكأنهم يطيرون فى الهواء، نفس الأشباح التى كانت تتسلل من حجرتنا ،عندما كان أبي يعيش معنا ، كانت تلك الجلسات تتكرر يوميا ، يجلس مع رفاقه متحلقين حول ركوة الجمر ، يغلفهم دخان أزرق، يتهامسون فى أول الليل ، وفى آخره يقهقهون بشدة، يلقون بالنكات ، ويضحكون عليها قبل أن يُكْمِلُهَا راويها ، وهم يتبادلون غابة الجوزة ،بينهم ، وبعد إنصرفهم آخر الليل ، كان أبي ينام باقى النهار ، لا يفيق إلا على خطوات أمى ، عائدة من عملها ، لتضع أمامنا الخبز والجبن ، وإذا رزقها الله بوسع ، يكون العشاء طعمية ساخنة ، هكذا كانت حياتنا مع ابى، لا اعرف ماذا كان يعمل ابى ، لم اراه اما نائما او جالسا مع اصدقائه في الليل، كنت انام مع امى فى تلك الاثناء فى الغرفة الداخليه من البيت . وها أنا ارى ابى فى نفس الموقف الذى كان يتكرر فى بيتنا فى الماضي مازال كما هو لم يتغير !!
بعد انصرف رفاق ابى ،فى ذلك اليوم ، ساد الهدوء حولى، نهضت من مكانى بصعوبة بعد أن تيبست عظامى من البرد، إتجهت إلى باب الحجرة ، نظرت الى الداخل، كان الضوء خافتا، لم أتمكن من رؤية شئ، ناديت على ابي ، الذي ظهر على عتبة الحجرة ، بشعر أشعث ، وعينان حمراوان ، وقف بجسده الضخم يسدالباب ، يحول دونى والدخول
صائحا : ماذا تريد ؟ماذاجاء بك الأن ؟
عجزت يومها عن النطق ، وانا أرى نظرته القاسية ، أخرستني المفاجاة ، لم يرانى منذ شهور، ولم يسأل عنى، كنت اتمني ان ياخذنى بين يديه في حنان ويشعرني بالأمان ولكنه سألني يومها....ماذا جاء بي ،
اجبته في خوف : أصل أصل ...
كانت تلك الكلمة هى كل ما إستطعت النطق به .
غمرت وجهي مرة اخري دفقة ماء ، إنقطع عندها حبل أفكارى، مازالوا يحاولون إفاقتى، هم لا يعرفون سبب إغمائى ، إنه الجوع ، أنا جائع نعم جائع لى يومان لم أذق فيهما سوى الماء ، أريد طعاما، فتحت عينى ونظرت اليهم فى خوف
: الحمد لله ، إطمئنوا لقد إستفاق .
هكذا صاح أحدهم وهم ينصرفون من حولى ، بعد أن نفحنى كل منهم كلمة او كلمتين لا أكثر، تحسست وجهى ، كنت مازلت اشعر بالالم الذى احدثته لطمات زوج امى عليه ، فرت دمعة ساخنه من عينى، قمت متحاملا على نفسى ،لأبدء خطواتى على أسفلت الطريق مترنحا ، لا أدرى إلى أين ستقودنى قدماى، وماذا سيكون مصيرى غدا، الله اعل

وجع الغلابة - Fatma Yaakob


عندما شق صوت الاسطي مدبولي ،سكون الليل ،يسب ابنه كمال ، فُتحت نوافذ بيوت الحارة .. أضيأت الأنوار، علت الأصوات ، تغالب النعاس ، تتساءل عما حدث؟.. ظل الحاج إبراهيم مستلقيا علي سريره بجانب النافذة نصف نائم وكرشه يعلو ويهبط مع تردد انفاسه المحبوسة وشخيره الذي يعلو، وينخفض ، كأنه صوت وابور طحين إنتهي عمره الافتراضي .. تخطته زوجته الحاجة نفيسه لتري ماذا يحدث في الحارة ، بعد ان طار النوم من عينيها ، 00 تململ الحاج ابراهيم في نومه تنبه لما يحدث , توقف شخيره ، انقلب علي جانبه الآخر, سمع زوجته تسأل : جري ايه يا ولاد ؟! الله يقلق منامكم !.
جاء صوت زينب من أسفل : لأ مفيش حاجة يا حاجة الأسطى بيتخانق مع كمال ابنه زي العادة .
إبتسم الحاج إبراهيم في نشوة، عندما سمع صوت زينب.. ... تنهد في حرقة ، حرك صوتها مكامن نفسه المشتاقة ، فاستولي عليه
الوجد، فتح عينيه، اصطدمت بمؤخرة زوجته ..اغمص عينيه مرة أخرى... وراح يحدث نفسه :فين كتل الشحم دى من غصن البان فى الملاية اللف السوده.... والولاد .. آه هي دى نقطة ضعفه.... عشر سنين جوازولم أرَ الولد.. كل المال ده حاسيبه لمين ؟
عادت الحاجة نفيسه تلقي بجسدها ،علي السرير تستدعي النوم وهي تقول: والله أنت غلبان يا كمال .
ابتسم الحاج إبرهيم وهويهمس لنفسه: والله انت اللي غلبان يا إبراهيم... ثم اكمل حديثه بصوت عال : كلنا غلابة.
رمقته الحاجة نفيسه بنظرة ناريه .. وهي تحدث نفسها : انت ميعجبكش..حاجة .. يرحمك الله يا أبَه ، جوزنى صبيه إبراهيم ودلوقتي مش عاجبه ... كل فلوسه دي اصلها فلوس أبويه... ورثتها منه...ولكن إبراهيم ميعجبوش الحال ....تنهدت في حسرة ...اعمل ايه اكتر من اللي عملته ، الدكتور ورحت له، والمشايخ لفيت عليهم واحد واحد ، والعملية عملتها اعمل ايه اكتر من كده، ربنا لسه ماذنش بالخلفة ..يا تري حيفكر يتجوز عليه ؟ .
تملكها شعور بالخوف أغمضت عينيها، تهرب من أفكارها وهي تقول : ربنا يستر .
علا صياح مدبولي ، وهو يخرج من باب حجرتهم ، مطارداً ابنه كمال ، الذي انفلت من يده يجري ،وهو مازال ممسكا بسرواله ، الذي وضع احدى رجليه فيه و لم يكملا ارتداءه بعد ..... :والله يا جبان مانا عتقك..
هكذا هدد الرجل ابنه ، ثم توقف علي عتبة باب البيت الخارجي، بالملابس الداخليةِ ...رجل في منتصف العمر أبيض الوجه ، أشقر الشعر ، نعتوه بالخواجه منذ صغره لجماله ... مزواج إلى حد الإدمان ... ينتقل من امرأة الي أخرى ...أم كمال إحداهن يأتي لزيارتها علي فترات متباعدة ، وغالبا ما تسفر زيارته عن طفل جديد، يزيد العبء علي كمال أكبر الأبناء ... الذي كتب عليه القدر أن يتحمل تبعات مزاج أبويه ، تحمل كمال ما لا طاقة له به ، ليحافظ على إخوته الصغار ... كمال لا يتذكر متي آخر مرة ترك لهم أبوهم نقودًا رجل لم يتحمل يوماً مسؤليته تجاه أسرته ... عمل كمال في كل مايخطر على بال وما لا يخطر أيضًا.. مرة فى السهل
ومرات فى الصعب . ...وقف كمال في أول الحارة يكمل ارتداء سرواله وهو يصيح : والله لسيبها لكم وامشي شيء مقرف !
ليست المرة الأولى ، التي يهدد فيها كمال بهذا ... فكر كثيراً أن يهجر الحارة ومن فيها ، ويعيش لنفسه قليلًا، ولكنه كل مرة يجبن عن التنفيذ ، خوفًا علي إخوته الصغار من التشرد وقسوة الأيام التي يعيشها هو...يحاول توفير ما يستطيع ، من المال ليستمروا هم في المدرسة ، ليكون حظهم أفضل من حظه .... وهناء ... آه إنها أجمل ما في حياته ،... آهِ لو وافقتْ أمها ... ولكنها عندها حق ... كيف ؟ وبماذا أتزوج؟... بفقري..؟! شوح بيده في الهواء ، وهو يستدير خارجًا من الحارة ، ... حتى لو وافقت أمها.... من أين يأتي بالمال الذي يُمَكَّنَه من الزواج بها؟ ... فهو يرزح تحت مسئولية تجاه إخوته
تنهد في حسرة قائلا : ظروفك يا كمال طين ... لا تفكر في الجواز...ابتسم في سخرية ... لا تفكر في الجواز يا كمال... كفيه اللي عندك ...هَمْ ما يتْلمْ ... كفيه تحبها ... ايوة كفاية تشوفها كل يوم ولو مرة ...أطوى قلبك علي ما فيه ... هو نصيبك من الدنيا... خرجت من صدره تنهيدة ضاقت منها أنفاسه ، وكأن روحه ستخرج
من جسده، وضع كمال يده علي صدره كأنما يساعد نفسه علي التنفس وهو يقول : ربنا يعدلها .... ، جاء صوت أمه تناديه : تعال يا كمال تعال
تراجع كمال خطوتين إلى الخلف... ينظرتجاه البيت ،....امرأة في الثلاثين من عمرها ريفية... لم يذهب جمالها رغم فقرها وعوزها وكثرة إنجابها... تقف علي باب البيت بقميصها الأحمر الذي يظهر أنوثتها وجمالها، تحرص علي إرتدائهِ كلما جاء زوجها .... شوح كمال بيده في ضيق وهو يقول : ادخلي... ادخلي ... اقصري الشر .
دخلي ابتعد كمال عن الحارة... ساد السكون مرة أ خرى.
ابتسمت زينب وهي تغلق نافذة حجرتها قالة : واله أنت غلبان يا كمال..مَره معندهاش دم.
ارتمت بجانب صغيرها ، تنتظر نور الصباح ، أمامها كفاح مرير للحصول على ما يكفي ملء بطون صغارها.. ...ومع إشراقة الصباح الاولى ، وضعت زينب جلبابها الأسود فوق جسدها النحيل ،
وهي تتخطى أولادها الممددين علي الأرض بجانب زوجها... الذي تنبه لحركتها... رفع رأسه يسأل : رايحه فين يا زينب ؟
مصمصت زينب شفتيها في حسرة ، وهي تجذب الطرحة السوداء، ، من فوق الحبل الممدود بين ركني الحجرة ، يحمل كل متاع أسرتها الصغيرة ، المكونة من زوجها المريض وثلاثة أطفال أكبرهم في الخامسة من عمره ... انحنت على صغيرها تستعدل رأسه وهي تقول :يعني يا حسرة حروح فين ... رايحة اجيب حبة خضار قبل ما النسوان. يخلصوا عليه.
دفن زوجها رأسه بين ذراعيه وهو يقول: أصبري يا زينب ... بكره ربنا يعدلها وأشتغل فتحت زينب باب الحجرة، وقالت بينما تهم بالخروح: إن شاء الله ...
أكمل زوجها جملته : يشفيني أو ياخدني وأرتاح وأريحك .
إخترقت الجملة الأخيرة سمعها لتستقر في قلبها غصة ، أشعرتها بالم الخوف يعتصرقلبها رفعت صوتها من خلف الباب حتي يسمعها قائلة : ومين قال لك اني تعبانه... خليك في نفسك وربنا يعدلها إن شاء الله ويشفيك قادر يا كريم.
خرجت زينب الي الشارع الكبير، بعد أن إجتازت الزقاق الضيق ..تحتضن مخلتها التي صُنعت من بقايا الملابس ، البالية لكثرة إستعمالها سنين طويلة، يلبسها الصغير بعد الكبير... تنفست هواء ،الصباح الندي ، بعيدا عن رطوبة الحجرة ورائحتها العفنة... تنهدت في حسرة الحكيم قال صدره تعبان قوي، ويحتاج الي جو جاف ... أين تجد الجو الجاف والحجرة ، كلها رطوبة تأكل في اجسادهم ، وما زاد وغطي ، الهباب الذي يتعاطاه، كل ليله منك لله يا معلم عباس من يوم ما إشتغل عندك وعلمته، شرب المخدرات ، وهو في النازل... خرجت من صدرها زفرةحارة ، تنفست بعدها بعمق ، خففت ما إعتمل في صدرها من ضيق، حتي القروش القليلة ، التي كان يحصل عليهم زوجها ، إنقطعت بانقطاعه عن العمل ، وهي خلال عملية الشراء ، تستميت في المساومة ، مع البائع لتوفر ولو قرش واحد تضعه، في ثنايا ثدييها ، مع ما إدخرته من قبل ، تنهدت في حسرة وهي تتذكر، انها الآن لا تمتلك ، سوي قروش قليلة ، حصلت عليها ثمن للزجاجات البلاستيك الفارغة التي القتها الحاجة نفيسه ، أمس علي السلم ، باعتها لبائع الروبابيكيا ، بقروش قليلة ، لا تضمن أن تكفيها للحصول ،علي ما تحتاجه لطعامهم اليوم ، في
السابق كانت تعلم هدفها ، من مشوارها اليومي الي السوق ،أما اليوم ، فهي لا تدري ، ماذا تفعل ؟ ، كانت تذهب الي السوق وتعود محملة بأصناف ، لا بأس بها من الخضروات ، والفاكهة ، أو ما يمكن أن يطلق ، عليها فاكهه جوازا، ليرضي بها الفقراء أمثالها ، كانت تعود ، بما يسد رمق الصغار، لم يكن يهمها النوع، بقدر ما تهمها الكمية ، التي تكفي لإسكات ، صرخات البطون الجائعة والأفواه المفتوحة ،التي تنتظرها في البيت .... تحاول بشتي الطرق، أن تدفع فيها ،أقل ثمن ممكن مدبرة، أمرها بالقروش القليلة ، التي يحصل عليها زوجها من عمله ، للمرة ثانية او ربما العاشرة، تحسست قروشها القليلة ،المخبأة ، بين طيات ثدييها ،تتطمئن علي وجودها ، ليس معها غيرهم ، هذا الحال يتكرر في حياتها مرات كثير، فصحة زوجها في تدهور ، مستمر حتي عجز ، عن تحمل أعباء العمل في القهوة ، من لف ودوران علي قدمية طول اليوم ، بين موائد الزبائن والحوانيت الواقعة حول القهوة ، يلبي طلبات الزبائن وحين رقد مريضا ... لم ينسي المعلم عباس صاحب القهوة طبعا زيارته للأطمئنان عليه ، وإختلاس النظر الي زينب كعادته،
إقشعر بدنها حين تذكرت نظراته النهمة ، تحسست القروش مرة أخري... الحمدلله ...علي الأقل معها اليوم ، ما يمكنها أن تشتري، به ما يكفيهم ، لن تحتاج الي الذهاب الي المعلم طلبا لنقود، ولكن غدا ، ماذا ستفعل ؟.... غمرتها الحيرة، جعلتها تتنهد وهي تنظرالي السماء قائلة: ربنا يعدَّلها .
أسرعت الخطي لتلحق بـ علي بائع الخضار.... نظرت الي حيث يقف يوميا ... لم يأتي بعد ... النسوة ينتظرونه، جالسات علي حافة الرصيف المقابل للمسجد ، يتبادلن الأحاديث وفي أغلب الأحيان المشاحنات ، علي أتفه الأسباب , وكأنهن يتخلصن من أثقال تجثم علي صدورهن ، من المشاكل والهموم ، التي تنخر في أيامهن ، راحت أم هناء تحكي لزينب
قائلة : البنت لا تريد غيره.
ردت زينب قائلة في فتور :كمال طيب وحُنَيِن، أنت طماعة والبنت لها الستر.
مصمصت أُم هناء شفتيها وهي تقول : الستر منين يا حسرة ، هو
قادر علي تربية إخوته ، أنا مش عاوزة يا زينب تعيش في الغُلب طول عمرها، وتقاسي اللى بنقاسيه ، أنا مش عاوزة ُلها نصيبي المايل يازينب ، أناعاوزة لها، تاجر مليان ، ومش عريس كحيان.
شردت زينب ولم تعلق وهي تحدث نفسها: إرحميني يا ام هناء ، أنا مش نقصاكي وناقصه وهمك ومشاكلك ، سبيني في حالي .
لاحظت أم هناء صمت زينب، فقالت : فيكي ايه يا زينب ؟ ازى جوزك ؟
تنهدت زينب وهي تقول : زي ما هو... الحكيم كتب له أدوية كتيرة... لكني مقدرتش اشتريها ، العين بصيرة ،و اليد قصيرة ، زى ما أنت عارفه .
قالت العجوز بسرعة مقتنصة الفرصة التي جاءتها : لأ أنت عارفة ، ولكنك مش عاوزه.
قالت زينب وهي تشيح بوجهها بعيدا : أخدم عند العزاب يا أم هناء؟
قالت أم هناء : وليه لا حيعطوكى فلوس ولا لأ؟
قالت زينب وهي تنهض مبتعدة : لا...لا...يا أم هناء انا ماحبش الشغل ده.
قالت أم هناء : إسمعي كلامى هُمْ يومين ،في الاسبوع بس ، وتقبضى الفلوس اللى انت عاوزاهم.
ظهرت عربة عَلِي ، بائع الخضر،علي أول الشارع ، أسرعت زينب مع باقى النسوة مهرولات ، إلي مكان وقوفه .
وهن يصحن : تأخرت ليه ياعلى؟
أمتدت أيديهن ،الى سلال الخضر والفاكهة العطبة، تتخاطفنها قبل أن تستقر العربة فى مكان، صرخت إحداهن في الأخريات ليوسعن لها مكان لتمد يدها من خلاله، لتختطف ما تلمسه أصابعها، لا وقت للأنتقاء ، كل ما علي العربه او نصفه علي الأقل لا يصلح طعام لآدمى ، ولكن الحال يتطلب ذلك ، كان على يبرر فعلته
ويقول : كله بتمنه... خللي الفقير يآكل... كله لله 00 كله لله خللي الغلابه ياكلوا...
يبيعه بقروش قليلة ، بعيداعن نار الأسعار المستعرة ، في سوق الخضار فهو إن لم يبعه بقروش قليلة ، سيضطر في نهاية اليوم الي
إلقائه في مقلب القمامة ، و هن يعرفن ذلك ،ولكن ماذا يفعلن بقروش قليلة لا تنفع لشراء أى شىء... كن يتبادلن الشتائم والسباب ، أثناء إختطاف أكبر قدر ممكن من تلك البقايا ، وفي اليوم التالي يجلسن متجاورات ، يتبادلن الأحاديث ، وتبادل الهموم والشكوى ، وكأن شيئا لم يحدث بالأمس ، وكأن هناك قانون بينهن ، غير متفق عليه ، مشاجرة على الإنتقاء ،لا تفسد للود قضيه ، كل واحدة كانت تشعر بتماثل همومها ،مع الأخريات ، القروش قليلة ، والأفواه كثيرة ، وأسعار مرتفعة ، والزمن لا يرحم والفقير يريد أن يعيش، يحفر بأظافره ، في الصخر حتي يحصل علي قوت يومه،وإلا سيموت جوعا ، كان ..على.. الخضري يعلم أن ما على عربته لا يصلح طعاما لآدمى 00ولكنه يفلسف بيعه للغلابة.. بأن هذا أفضل من خسارته كانت عيناه ترقبهن حتى لا تتسرب احداهن دون دفع ثمن ما اخذته ، كن يعلمن ان ...علي ....الخضري يحرص علي اخذ أكبر قدر من قروشهن ثمنا لما يأخذن، لا يسمح لاحداهن بالتسويف اوالشراء بالأجل ... فهو لا يضمن أن يكون ، غدهن افضل من اليوم، فأيامهن متماثله فالتى ليس معها اليوم من أدراه أن يكون معها
غدا ما تدفعه ... فالغد لا يعلمه الا الله سبحانه .... كان هذا منطقه في التعامل معهن... وكان رأيهن فيه انه.... طمًّاع ... ورغم ذلك لا يوجد أمامهن غيره ، يُبَكْرنَ في الحضور، و ينتظرنه، فبدونه لن يستطعن الحصول علي ما يسد رمق الجوعي المنتظرين في البيوت... يعلو صراخه فيهن وصراخهن فيه... وصراخهن فيما بينهن ،حتي يأخذن ما إستطاعت أيديهن اللحاق به... ثم تدفع كل واحدة منهن بقروشها القليلة اليه... وتسير في حال سبيلها...حملت زينب أحدى السلال وإنتحت بها جانبا تنتقي منها ما تشاء... تبعتها إمرأة أخرى... صاحت زينب فيها وهي تبعد يدها التي مدتها تسبق يد زينب الي السلة
قائلة: شيلي إيدك يا وليه هو مفيش غيرها ؟
تراجعت المرأة خوفا منها وهي ترمقها فى حقد... دست زينب كل ما فى السلة فى مخلتها حتى إمتلآت عن آخرها وهي تحدث نفسها قائلة : كله ينفع.
أخرجت قروشها القليلة من بين طيات ثدييها... مدت بها يدها الى.. علي الخضرى .. الذى أطبق على يد زينب قائلا فى تودد : خللى يا زينب... خللى يا ام محمد00 خللى والنبى
سحبت زينب يدها بسرعة وهى تصيح غاضبة : كتر خيرك يا خويا .. قول يا صبح يا على.
تهامست النسوة حولهما ... رنت ضحكة ام هناء وهي تغمز بعينها لعلى ، إبتعدت زينب عن المكان بسرعة لتلحق بصابر بائع الفول على باب الحارة، يلتف حوله الصغار والكبار يتناولون أفطارهم ، بينما ...ميخة ....صبيه، يتحرك في نشاط ، يلملم بقايا الخبز ليضعه في حقيبة معلقة علي يد العربة بيد ، وبيده الأخرى يُلَمْلم الأطباق الفارغة ، من أمام الزبائن ليضعها، في دلو الماء المعلق على اليد الأخرى من العربه، يغسلها ثم يرصها بجانب كومة الأطباق النظيفة ، أمام معلمه صابر، جاءت أم هناء ، ووقفت بجانب ميخه تتبادل معه الهزار ، وتضربه علي صدره ضاحكة، بعد أن همس لها بأحدي النكات الخارجة... رفع ميخه رأسه الي أعلي حين سمع احمد بك ، يناديه ليضع له الصحيفة اليومية ، في السلة المدلاه من الشرفة، صاح ميخه : حاضر يا بيه ... الأهلي حديد، شفت المبارة امبارح.. حناخد الدورى إن شاء الله ....وضع ..ميخه .. الجريدة في السلة... إنتهزتها أم هناء فرصة وتناولت كومة من أرغفة الخبز تدسها في
حقيبتها الممتلأة دائما ، مرة بالشحاذة ومرات بالسرقة صرخت زينب : إتقي الله يا مَرَة كفاية .
صاحت ام هناء تداري فعلتها في بجاحة: إيه يا زينب... عاوزة ايه حاعطي صابر ثمنها، ولا فكرانى حسرقها.
قالت زينب في سخرية : لا سمح الها زمتك نضيفة.
حين وصلت زينب إلي البيت ، كان الحاج إبراهيم يهبط ، علي درج البيت تشيعه دعوات زوجته الحاجة نفيسه.....همس حين رأي زينب : صباح الخير يا زينب .
قالت زينب وهي تضع مخلتها علي الأرض : صباح الخير ياحاج... تفضل.
قال الحاج ابراهيم وهو يتلكأ: ازي حال ابو محمد النهاردة ؟
قالت زينب في أسي : نحمده يا حاج.... تعبان قوي
قال ابراهيم : أخد الدوه ؟
قالت زينب بخجل : لأ والنبي لسه.
قال ابراهيم : ليه مافيش فلوس؟
قالت زينب : يعني يا حاج ربنا يفرجها
قال ابراهيم : هاتي الروشته وانا ابعت اجيب له الدواء هاتي
اسرعت زينب بالدخول الي الحجرة تلتقط الروشته وخرجت بسرعة واعطتها له
وهي تقول : كتر خيرك يا حاج ربنا يعّوض عليك يا رب
إندفع أولاد زينب يلتفون ، حوله كعادتهم في إنتظار ، ما يهبهم من نقود كل صباح ادخل ابراهيم يده ، في جيب جلبابه، ليخرج نقود فضيه، و منح كل واحدا منهم قرشين زغرد قلب زينب فرحا ، وهي تحدث نفسها : الحمد لها سينفعوا غدا .
صاحت زينب من وراء قلبها : يكفي يا حاج خيرك مغرقنا .
قال الحاج في فرح: انت عارفه يا أم محمد اد ايه بحبهم .
قالت زينب وهي تصيح لتسمعها الحاجه نفيسه : ربنا يخليك يا حاج ويرزقك بالذرية الصالحة ان شاء الله .
تنهد الحاج في أسى وقال: ان شاء الله يا زينب ؟.. كان نفسى يكون لى ولد يحمل اسمى من بعدى ويورث اعمالى واملاكى .
قالت زينب تواسيه : قول يا رب يا حاج كله بأمره.
خرج الحاج ابراهيم وهو يردد : يارب.
سمعت سعال زوجها ... دلفت الى حجرتها ووضعت ما تحمله على الارض
وهي تقول : حعمل لك كباية شاى يدفى صدرك .
تذكرت النقود التى مع الصغار.. أسرعت تعود الى خارج الحجرة تنادى على صغارها قبل ان يسرعوا الي بائع الحلوى ... وجدتهم هناك يتشاورون ، ويقلبون القروش ، فى كفوفهم الصغيره ، يحلمون بما سيشترون ، قالت زينب تستعطفهم وهى تمد يدها لهم : أعطوها لى لنشترى بها أكل بكرة.
صاح أكبرهم فى تزمر: عاوز كرة العب بها .
صاحت الصغيرة : انا كمان عاوزه لبان.
قال الاوسط : وانا عاوز مصاصه .
قالت زينب وقلبها يعصره الحزن : الأكل أهم .
دمعت عيون الصغار وهم يمدون أيديهم الي أمهم بكنزهم الثمين ...شعرت زينب بغصه فى
قلبها ، وهى ترى حزن صغارها ودموعهم والحسرة أرتسمت على وجوههم البريئة تراجعت بسرعة قائلة : لا تبكون ، خذوا كل واحد قرش بس ... ماشى ؟.
فرح الصغار بالقليل أفضل من لا شىء هاتفين معا : ماشى.
تناول أكبرهم القروش الثلاثة وأسرع الى الشارع بسرعة ، وكأنه يخاف ان تغير أُمه رأيها، يتبعه أخويه ، صارخين ... محمد محمد إستنه
إرتفع سعال زوجها مرة اخرى... دخلت الى الحجرة تجذب طرحتها السوداء المعلقة علي الحبل وهى تقول : ساحضر لك تليو أفضل.
ذهبت زينب الى عبده العطار...كان كالعادة يغلق باب المحل الجانبى ، ويجلس فى ركن المحل ومعه إحدى السيدات... إبتسم حين رأها وهب اليها قائلا : صباح الفل..أأمر يا قمر، مدت يدها بالقرش ، وهى تقول : هات بقرش تليو يا عبده .
قال عبده في هدوء وهو يهمس : حاضر من عنيه ، بس أطلبى ما تريدين... تعالى أجلسى معى قليلا.
نظرت زينب اليه فى غيظ وقالت : هات التليو يا عبده وخليك فى اللى انت فيه... خلّصنى .
وضعت زينب كوب التليو أمام زوجها وهى تجلس بجانبه
قائلة : إشرب يدفى صدرك ويخفف الكحة ، نظر اليها فى حنان وقال : تعبت يا زينب ... تعبت قوى .. سامحينى ..بكرة ربنا يعدلها قالت تخفف عنه الَمَهُ : ان شاء الله يا مصطفى... ربنا كبيرلاينسى احد ، الحاج سيشترى لك الدواء ، وتأخذه وتشفى باذن الله .
قال مصطفي: ربنا يعطيه ، رجل خيَّر... الحمد لله بكرة ارد له كل مليم صرفه ان شاء الله
قالت زينب : ان شاء الله
طهت زينب ما أحضرته من خضروات ... عثرت على حبة كمثرى بينها... خبأتها حتى نام الصغار...وفى المساء ، ناولتها لزوجها وهى تهمس : كُلْهَا أنت محتاج للغذه.
قال وهو يزيح يدها بحبة الكمثرى : لا... كليها انت.
قالت : لا انت اولى... والنبي ما ياكلها غيرك .
قال فى اصرارا : لا...لا اعطيها للولاد.
الحت عليه حتى أكلها.. وضع يده علي كتفها فى حنان وشوق... شب حريق فى جسدها
انتفضت من جانبه بسرعة قائلة : تصبح على خير... نام وأرتاح.
تمددت بجانب أصغر أبنائها تدثره بالغطاء الخفيف الذى لا يقي برد الليل...إحتضنته تدفئه بحرارة جسمها...وهي تواسي نفسها بأن زوجها معتل الصحة ، من الأفضل أن تنام بعيدا عنه همس لها بصوت واهن : زينب 00 تعالي هنا جانبى .
قالت في حدة: لا ...انا مرتاحه هنا 00 نام انت وأرتاح 00 الدكتور قال متجهدش نفسك .
إحتضنت الصغير أكثر ، وهى تقول لنفسها : فين النِفْس للى عَاوزَه ، همى دلوقت حأكل الولاد بكرة ايه؟! .
أغمضت عينيها تستجدى النعاس متمتمة :بكرة المولى يعدلها .
تحسست القروش التى خبأتها بين ثدييها، وبظهر كفها مسحت دمعة حارة إنحدرت على خدها، تتغافل عن سببها الحقيقى .


فرص الحياة - كاظم جمعة/ البصرة

فرص الحياة
في شوارع روحي 
تزدحم الأرصفة
بوجوه صبايا
وعيون من كل
لون…….. 
يرقص القلب
طربا
لحظة غزل
ويحلو الكون……… 
أتجرد من كياستي
أبدأ من نقطة الصفر…… 
لن أكون مترددا
أبعد عني الخوف
أشبع رغبتي
بعد سنين من 
القحط والقهر…… 
أتصرف كيفما أشاء……. 
ففرص الحياة
لن تكرر……. 
وعقارب الساعة
لن تعود للوراء………

كاظم جمعة/ البصرة

⭐🍃تآملات -

🍃تآملات 🍃
المنن توقظ الهمم ..
والجوائز تنتظر الفائز ..
ووالله لو كُشف الحجاب عن الناس لحظة ..
ليروا الجنة رأي العين ..
إذاً لأفنوا أعمارهم عن عبادة الله لا يفترون ..
وفي مرضاته يتنافسون ..
ولو أشرق من ثناياها نور ..
لقلب ليلهم نهارًا به يأنسون ..
وبأسحاره يتسامرون ..
ولكن شاءت إرادة الله ان يختبر عباده ..
في إيمانهم بالغيب وصدقهم له ..!

*🍃👌‏{ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا }*

مشاركة مميزة

لمحات من أحد طواغيت التاريخ (ستالين) (الإله.. الذي أنكروه) - عزت عبد العزيز حجازي - من كتاب جبروت الطاغية وطغيان الحاشية)

¨   بعد أن أطلقوا عليه في حياته أسماء كثيرة، كادت أن ترفعه إلى مقام الآلهة أو الأنبياء.. فقد قالوا عنه أنه:(أحب شعبه؛ وأنه "ال...

المشاركات الشائعة أخر 7 أيام