القُطنُ ُيُحدِّثُ عن حياتِه
وفائِدتِه
----------------------
ما أشد ما يقاسى الفلاح فى زرعى؛ وما يلقى فى تعهدُّى وجنيي؛ فهو يحرث الأرض وهى كدْيةَ (1)؛ يابسة مرتين متقاطعتين؛ ويقَسمها خطوطاً تزرع من جوانبها؛ ويجرى الماء فى عنَفَاتها (2) وتقطعها شعوب(3)× تمدها بالماء. فإذا أتم الحرث والتخطيط؛ أتى أولاد الفلاحين وحفروا فى جنب واحد من كل خط نقراً؛ بين كل واحدة والتى تليها حوالى نصف ذراع ؛ ثم وضعوا فى كل حفرة أربع بزرات أو أكثر من بذورى السوداء؛ وردموا الحفر فوقها؛ وسقَوْنى سقيا موقوتا بشِرْب (4) معلوم؛ فأنبت بعد خمس أيام من زرعى. فإذا إكتحَلَتْ الأرض (5) بنباتى؛ خَفُّونى واختَلَوْا (6) منى وأبقوا فى كل حفرة خلاتين أو ثلاثا؛ حتى يُفسَحَ فى باطن الأرض لجذورى؛ فتنمو سيقانى؛ وتنْشَعِب أغصانى؛ وتورق وتَتَفَرَّع. فيعزقون الأرض؛ ويجتثُّون (7) منها زائف (8) العشب؛ وخبيث البقل (9) ؛ حتى لا تضعف نموِّى؛ ولا تنال من قوة أرضى. فمتى سَنمِتْ(10) وظهرت براعمى(11) وبرزت أكمامى؛ دبَّ الرجاء فى نفوس الفلاحين؛ وتَنََّورُوا فى الخير والبركة؛ فتتفتَّح تلك الأكمام، عن أزهار صُفْْر؛ ترصع شجرى؛وتزين حقلى؛ كأنها كواكب السماء؛ طلعت فى تلك البُسُط الخضراء؛ أو كئوس بلورية صفراء؛ شفَّت على الماء، أودنانير العسجد(12) على أرض من الزبرجد. فإذا طال عليها الزمن؛ ظهرت حُوَّتُها(13)؛ وسرى إليها الذبول والوهن، وجفَّتْ وتساقطت؛ وخلفتها عُفَازات(14) خُضر؛تنمو شيئا فشيئا؛ حتى تنمو؛ ويحمرَّ لونها فتجف؛ وتنشق عن قطن ذى شعر أبيض ناعم؛ به بذر أسود وما أجمل أن تشرف (15) على مزرعتى؛ وقد تفتَّح بَيْلَمها(16)؛ وطاب جنيها، حينذاك لا ترى إلا قُرَّة العيون وأمثال اللؤلؤ المكنون؛ أو كواكب تزهو (17) فى الأغصان؛ ودرراً منضودة على جوانب الأشجار؛ كأنها قُبُسُُ ( 18) من النور؛ أو بنات البحور؛ أو بَيْضُُ منشور؛ أو هُلْهُل (19) منثور. ومن عجب أمرى؛ وقسوة دهرى؛ أنه متى شاب شعرى؛ وبدا ×خيْرى؛ وآتيت ثمرى؛ جف شجرى؛ واسّاقط ورقى؛ وبادرتم إلى إقتلاعى؛ فهل رأيتم أعظم إيثاراً منى ؟ أشقى وبى سعادة الناس؛ وأعرَى ومنى الكساء واللباس. وإنه ليعجبك منظر الغلمان؛ وقد صُفوا فى العنفات؛ يجمعوننى بأيديهم؛ ويضعوننى فى مشمَّرََاتهم؛ وقد إحتواهم السرور والصفاء؛ وانطلقت ألسنتهم بالغناء؛ فإذا ×مالت الشمس للغروب؛ خرجوا فرحين مستبشرين؛ ووضعونى فى الغرائر أو القُفَّات؛ تحملها ظهور الحمير أو رءوس البنات؛ ثم كدسونى (20) فى المخزن؛ حتى يأتى التاجر فيشترينى من الفلاح؛ وينقلنى إلى المحلج فأحلَج، ويبيعنى فى الإسكندرية بهاراً(21) ×وليس فى مصر من يجهل قدرى؛ وينسى أثرى؛ لأن مغانمى كثيرة؛ وخيراتى وفيرة؛ فأنا عماد ثرائكم؛ ومعيار شدتكم ورخائكم : فإن إرتفع ثمنى وجادت غلّتى أيسرتم وأرغدتم؛؛ وإن إنتابتنى الأفات أو هبط سعرى، أعسرتم وأسنتُّم (22)؛ وويل للفلاح يوم تلعب بى المضاربات (23) فى الإسكندرية؛ وتتحكم فى سعرى المحصولات الأجنبية؛ يومئذ تشتد عليه من الأزمات صنوف؛ ويقاسى فى الحياة الضنك والحفوف(24) وليس ما تلبسون من ثياب فاخرة؛ أو تنامون عليه وتجلسون : من حشايا وثيرة، ووسائد لينة، وأرائك منضودة؛ وزرابى مبثوثة؛ ×وكِلَل محكمة؛ سوى حسنة من حسناتى إليكم؛ ونعمة من نعمى عليكم. وكل مريض يذكر ما أتخذ له منى : من لفائف وكِمَادَات؛ وأربطة وضِمَادَات (25)؛ وضريبة(26) تُمسح بها قروحه؛ وتؤسَى جروحه؛ ووقاية لصدره؛ من ×شفيف (27) البرد وقرسه؛ حتى خففت من آلامه؛ وساعدت على شفائه. وإن فى بزرى الأسود؛ لمتاعا لكم ولأنعَامكم؛ فهو عَلَف دوابكم ومنه تعتصرون زيتاً تنتفعون به ×فى حياتكم. أفرأيتم النار التى تورُون؛ تنضجون بها طعامكم وتدفَئون؛ أليست شجرتىوقودهاوحطبى لهيبها؟ وساَئِلْ السفن تشق الخضمِّ فى سلام وأمان؛ والطيارات تسابق فى السماء العقبا من أى غزل حِيِكت (28) أشرعتها ونُسِجت أجنحتها ؟ فكلوا من رزق ربكم واشكروا له؛ بلدة طيبة ورب غفور.
ما أشد ما يقاسى الفلاح فى زرعى؛ وما يلقى فى تعهدُّى وجنيي؛ فهو يحرث الأرض وهى كدْيةَ (1)؛ يابسة مرتين متقاطعتين؛ ويقَسمها خطوطاً تزرع من جوانبها؛ ويجرى الماء فى عنَفَاتها (2) وتقطعها شعوب(3)× تمدها بالماء. فإذا أتم الحرث والتخطيط؛ أتى أولاد الفلاحين وحفروا فى جنب واحد من كل خط نقراً؛ بين كل واحدة والتى تليها حوالى نصف ذراع ؛ ثم وضعوا فى كل حفرة أربع بزرات أو أكثر من بذورى السوداء؛ وردموا الحفر فوقها؛ وسقَوْنى سقيا موقوتا بشِرْب (4) معلوم؛ فأنبت بعد خمس أيام من زرعى. فإذا إكتحَلَتْ الأرض (5) بنباتى؛ خَفُّونى واختَلَوْا (6) منى وأبقوا فى كل حفرة خلاتين أو ثلاثا؛ حتى يُفسَحَ فى باطن الأرض لجذورى؛ فتنمو سيقانى؛ وتنْشَعِب أغصانى؛ وتورق وتَتَفَرَّع. فيعزقون الأرض؛ ويجتثُّون (7) منها زائف (8) العشب؛ وخبيث البقل (9) ؛ حتى لا تضعف نموِّى؛ ولا تنال من قوة أرضى. فمتى سَنمِتْ(10) وظهرت براعمى(11) وبرزت أكمامى؛ دبَّ الرجاء فى نفوس الفلاحين؛ وتَنََّورُوا فى الخير والبركة؛ فتتفتَّح تلك الأكمام، عن أزهار صُفْْر؛ ترصع شجرى؛وتزين حقلى؛ كأنها كواكب السماء؛ طلعت فى تلك البُسُط الخضراء؛ أو كئوس بلورية صفراء؛ شفَّت على الماء، أودنانير العسجد(12) على أرض من الزبرجد. فإذا طال عليها الزمن؛ ظهرت حُوَّتُها(13)؛ وسرى إليها الذبول والوهن، وجفَّتْ وتساقطت؛ وخلفتها عُفَازات(14) خُضر؛تنمو شيئا فشيئا؛ حتى تنمو؛ ويحمرَّ لونها فتجف؛ وتنشق عن قطن ذى شعر أبيض ناعم؛ به بذر أسود وما أجمل أن تشرف (15) على مزرعتى؛ وقد تفتَّح بَيْلَمها(16)؛ وطاب جنيها، حينذاك لا ترى إلا قُرَّة العيون وأمثال اللؤلؤ المكنون؛ أو كواكب تزهو (17) فى الأغصان؛ ودرراً منضودة على جوانب الأشجار؛ كأنها قُبُسُُ ( 18) من النور؛ أو بنات البحور؛ أو بَيْضُُ منشور؛ أو هُلْهُل (19) منثور. ومن عجب أمرى؛ وقسوة دهرى؛ أنه متى شاب شعرى؛ وبدا ×خيْرى؛ وآتيت ثمرى؛ جف شجرى؛ واسّاقط ورقى؛ وبادرتم إلى إقتلاعى؛ فهل رأيتم أعظم إيثاراً منى ؟ أشقى وبى سعادة الناس؛ وأعرَى ومنى الكساء واللباس. وإنه ليعجبك منظر الغلمان؛ وقد صُفوا فى العنفات؛ يجمعوننى بأيديهم؛ ويضعوننى فى مشمَّرََاتهم؛ وقد إحتواهم السرور والصفاء؛ وانطلقت ألسنتهم بالغناء؛ فإذا ×مالت الشمس للغروب؛ خرجوا فرحين مستبشرين؛ ووضعونى فى الغرائر أو القُفَّات؛ تحملها ظهور الحمير أو رءوس البنات؛ ثم كدسونى (20) فى المخزن؛ حتى يأتى التاجر فيشترينى من الفلاح؛ وينقلنى إلى المحلج فأحلَج، ويبيعنى فى الإسكندرية بهاراً(21) ×وليس فى مصر من يجهل قدرى؛ وينسى أثرى؛ لأن مغانمى كثيرة؛ وخيراتى وفيرة؛ فأنا عماد ثرائكم؛ ومعيار شدتكم ورخائكم : فإن إرتفع ثمنى وجادت غلّتى أيسرتم وأرغدتم؛؛ وإن إنتابتنى الأفات أو هبط سعرى، أعسرتم وأسنتُّم (22)؛ وويل للفلاح يوم تلعب بى المضاربات (23) فى الإسكندرية؛ وتتحكم فى سعرى المحصولات الأجنبية؛ يومئذ تشتد عليه من الأزمات صنوف؛ ويقاسى فى الحياة الضنك والحفوف(24) وليس ما تلبسون من ثياب فاخرة؛ أو تنامون عليه وتجلسون : من حشايا وثيرة، ووسائد لينة، وأرائك منضودة؛ وزرابى مبثوثة؛ ×وكِلَل محكمة؛ سوى حسنة من حسناتى إليكم؛ ونعمة من نعمى عليكم. وكل مريض يذكر ما أتخذ له منى : من لفائف وكِمَادَات؛ وأربطة وضِمَادَات (25)؛ وضريبة(26) تُمسح بها قروحه؛ وتؤسَى جروحه؛ ووقاية لصدره؛ من ×شفيف (27) البرد وقرسه؛ حتى خففت من آلامه؛ وساعدت على شفائه. وإن فى بزرى الأسود؛ لمتاعا لكم ولأنعَامكم؛ فهو عَلَف دوابكم ومنه تعتصرون زيتاً تنتفعون به ×فى حياتكم. أفرأيتم النار التى تورُون؛ تنضجون بها طعامكم وتدفَئون؛ أليست شجرتىوقودهاوحطبى لهيبها؟ وساَئِلْ السفن تشق الخضمِّ فى سلام وأمان؛ والطيارات تسابق فى السماء العقبا من أى غزل حِيِكت (28) أشرعتها ونُسِجت أجنحتها ؟ فكلوا من رزق ربكم واشكروا له؛ بلدة طيبة ورب غفور.
×(1) كدية : صلبة غليظة (2) العنفة : ما بين خطى الزرع
(3) شعوب مفردها شعب : مسيل الماء فى باطن الأرض (4)
الشرب : النصيب من الماء
(5) إكتحلت الأرض بالنبات : أظهرت أول خضرته (6) إختلوا : إقتلعوا ونزعوا؛
والخلى : النبات الرطب
(7) إجتث : إقتلع (8) الزائف :
الردىء
(9) البقل : النبات (10) سنم الزرع
: كبر وظهر نوره
(11) البراعم والأكمام : أغطية
الزهر قبل أن يتفتح (12) العسجد : الذهب
(13) الحوة : حمرة إلى السواد (14)
العفازة : جوزة القطن
(15) تشرف : تطل (16) البيلم : جوز
القطن
(17) تزهو : تشرق (18) القَبس : الشعلة
(19) الهلهل : الثلج (20) كدسوه : جعلوا بعضه فوق بعض
(21) البهار : القطن المحلوج (22)
أسنت : أجدب
(23) المضاربة : القراض ونريد بها
المعرفة فى سوق القطن (24) الحفوف : عيش
سوء وقلة مال
(25) الضمادة : عصابة تشد على
الجرح (26) الضريبة : قطعة من القطن
(27)شفيف البرد : لذعه (28) حيكت : نسجت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق